يتبدّل المشهد السياسي الخليجي بوتيرة قياسية، منذ اندلاع الثورات العربية،
وحتى التحالفات السابقة تتهاوى كرد فعل على التطورات المتوالية التي تقلب
معادلات جيوسياسية كبرى، فالخصوم والأصدقاء لم يعد كما كانوا بالأمس، فلربما من
كان صديقاً بالأمس أصبح خصماً لدوداً اليوم والعكس صحيح..
التاريخ يرسم خطاً شديد التعرّج في هذه اللحظات، رغم ما يبدو أنه يعيد ترتيب
الإصطفافات التقليدية على قاعدة إثنية وإيديولوجية وجيوسياسية. سيولة الأوضاع
تنبىء عن متغيّرات دراماتيكية، وقد تؤول الى تشكّل تحالفات سياسية جديدة. ماهو
مؤكّد حتى الآن، أن ثمة فاصلة نفسية تتسّع تدريجاً بين الشعوب والحكومات، الأمر
الذي ينذر بأن القطيعة هذه مرشّحة لأن تشهد مفاجئات لن تكون، بالتأكيد، سارة
بالنسبة للأنظمة السياسية الخليجية..
في الأسابيع القليلة الماضية، بدأت بوادر تحالف سياسي بين قطر والسعودية على
خلفية الثورات في ليبيا واليمن والبحرين، وصولاً الى التحركات الاحتجاجية في
سورية..ما ظهر أن وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني يدير
ملف الثورة الليبية بالنيابة عن السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً،
فيما يدير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ملف الثورة اليمنية لأسباب
معروفة..لا غرابة أن تتصاهر هذه الأيام قناتا (الجزيرة) و(العربية)، وتتوارى
الحرب الاعلامية بين الدوحة والرياض..
ثمة انطباع لدى مراقبين عرب وأجانب مفاده أن الدكتاتورية الخليجية تنزع الى لعب
دور مركزي في الثورة المضادة في الشرق الأوسط، وأن هذه الدور يحظى بدعم أميركي
وأوروبي..مؤتمر أبو ظبي الأخير جمع مجلس الأمن الدولي ومجلس التعاون الخليجي
لتقرير مصير اليمن بعد علي عبد الله صالح، وهو أحد أشكال الثورة المضادة..وهناك
تقنيات لا حصر لها في الثورة المضادة، مالية، وسياسية، وطائفية، واستخباراتية،
وإجتماعية، وحزبية، واتصالية.
جمع الخطر الدوحة والرياض، كما جمعت المصالح كل دول مجلس التعاون الخليجي، وكان
استعلان العداء بين الدوحة ودمشق جزءاً من المشهد الجيوسياسي الجديد.
ثمة تنسيق مشترك وعلى مستويات متعددة بين الرياض والدوحة لإجهاض الثورات
الشعبية في الشرق الأوسط ما يتطلب عملاً جاداً شعبياً ورسمياً للحؤول دون
اضطلاع الشعوب بتأسيس نادي الديمقراطيات العربية وعزل الديكتاتورية العربية
التي تقودها دول مجلس التعاون..