على مدى عقود عدّة سابقة، كانت (العرائض) الوسيلة الوحيدة التي يلوذ بها
دعاة الإصلاح والناشطون السياسيون من أجل الدفع بإتجاه إحداث تغييرات سياسية
جزئية في بلدانهم. هذا كان حال الإصلاحيين في كل دول مجلس التعاون
الخليجي تقريباً، رغم أن النتائج كانت في الغالب متواضعة إن لم تكن سلبية.
ولطالما اكتفى دعاة التغيير بـ (رفع العريضة) الى القيادة السياسية ملكاَ أم
أميراً عن غيرها من الوسائل ما سهّل احتواء أو حتى ضرب أصحابها، ببساطة لأن
الإصلاحيين وضعوا رهانهم بالكامل على استجابة القيادة السياسية لما ورد في
عرائضهم من مطالب، وهو ما لم يحصل في أي من هذه البلدان. ولو رجع الإصلاحيون في
الكويت والسعودية والبحرين وقطر والامارات وعمان إلى إرشيف عرائضهم، وتأملوا في
المطالب الواردة فيها، وما تم إنجازه على الأرض، فسيصيبهم الحزن والإحباط لأنهم
الحكومات الخليجية إما: تجاهلت العرائض بصورة تامة ولم تكترث لما فيها من
مطالب، أو أنها استعملت إسلوب الخداع بشكله القديم بإضفاء تغييرات شكلية
وتجميلية على النظام السياسي، أو أنها لجأت الى التنكيل بالشخصيات الفاعلة
والمحرّكة لـ (العرائض). وإن أقصى ما تطوّر في أساليب الحكومات الخليجية هو
الجمع بين التغيير الشكلي والقمع حتى لا يعرّضوا حلفائهم في الغرب لمواقف
محرجة، إذ لطالما تردّد في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية أن الغرب هو من
يوفّر كل أشكال الدعم للديكتاتوريات في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص مشيخات
النفط.
الآن، برز مشهد جديد في منطقة الخليج، بعد الانتفاضة الشعبية في البحرين
وتالياً عمان، ولم يعد خيار (رفع العرائض) ضمن مفضّلة الشعوب في هذه المنطقة،
يعزّز ذلك استمرار الحكومات الخليجية في استعمال ذات الأسلوب القديم في التعاطي
مع المطالب الإصلاحية. وأبرز مثال الآن هو ما يجري في السعودية التي شهدت خلال
الإسبوع الماضي ما يمكن أن نطلق عليه (حراكاً عرائضياً) للمطالبة بـ (ملكية
دستورية)، فجاء الرد الرسمي حتى الآن مخيّباً وبائساً وإن أقصى ما بلغته درجة
الاستجابة الرسمية هو السماح للمرأة بالتصويت (وليس الترشيح) في الانتخابات
البلدية، إلى جانب بعض التقديمات الإجتماعية التي لا صلة لها بالمطالب السياسية
الكبرى.
ما يمكن الخروج به من قراءة التجارب المطلبية الخليجية الحالية سواء في عمان
والبحرين اللتين تشهدان حركة احتجاجية متنامية، أو في السعودية التي تقترب من
لحظة الفعل الإحتجاجي الشعبي، أو حتى الكويت التي تحاول النأي بنفسها عن أي
تأثيرات الحراك الثوري العربي، أن الشارع بات خياراً ناجزاً، وأن انعدام الثقة
بين الشعوب والحكومات يجعل الشارع ميدان الحسم والتغيير، ولابد أن يتنبّه
الإصلاحيون الخليجيون الى أن الحكومات عاجزة حد الشلل عن إصلاح ذاتها ولابد من
أن ينتزعوا زمام المبادرة من أجل فرض التغيير عن طريق الاحتجاج الشعبي السلمي،
أي الشارع.