لم يكن مستغرباً توحّد الخطاب البائس لدى الرؤساء العرب بدءاً من المخلوعين
زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومروراً بالقذافي وعلي عبد الله صالح وحمد بن
خليفة (والبقية قادمة بإذن الله تعالى). وليس مستغرباً، أيضاً، خيار الشعوب
العربية من المحيط إلى الخليج..
خطاب الطغاة العرب يتوحّد في تقديم تنازلات اللحظة الأخيرة، وإطلاق حزمة الوعود
العاجلة بإصلاح ما فسد من أمور نظام الحكم والدولة، مصحوبة بتقديم (هبات)
و(شرهات) و(تخفيض الأسعار، ورفع الحد الأدنى للأجور)، وإصلاح الهياكل السياسية
المتحجّرة..الخ
في المقابل، يتوحّد خطاب الشعوب على (إسقاط النظام)، ورفض الحوار، والإصلاح،
والتغييرات الشكلية والتجميلية والهامشية، بعد أن تكشّف زيف مدعيات طغاة العرب،
الذين حكموا الشعوب بلا حوار، ولا عقد اجتماعي، ولا قبول بالرأي الآخر، ولا
توزيع عادل للثروة والسلطة..وفاقد الشيء لا يعطيه.
ماذا يعني ذلك؟
أن أزمة الثقة بين الشعوب والحكّام العرب ملوكاً ورؤوساء بلغت درجة القطيعة،
ولم يعد هناك من رجاء في أن يضطلع الطغاة بأي دور إصلاحي. ولذلك، لم تجد الشعوب
العربية خياراً للخروج من المأزق التاريخي الذي دخلت فيه العلاقة بين الحاكم
والمحكوم إلا إعلانها ثورة شعبية تطيح النظام وتعيد بناء السلطة على أسس
مختلفة، يتحقق فيها مبدأ المشاركة الشعبية، ودولة القانون، والعدالة،
والمساواة، والحريات، والفصل بين السلطات، والانتخابات الحرّة النزيهة التي
تعبّر عن إرادة الشعب بمكوناته كافة، وتحطيم كل أشكال الوصاية والصنمية التي
رهنت مصير شعوب بأكلمها لإرادة شخص أو عائلة أو حزب..
الخطاب الإصلاحي سقط لأن الشعوب اعتنقته إيماناً منها بكل مفرداته، فيما
استغلّه الحكّام من أجل تكريس الديكتاتورية والحكم الشمولي، ولم يتحقق ما وعدوا
به سوى الأوهام..هكذا كان بن علي تونس، ومبارك مصر، وصالح اليمن، وحمد البحرين،
وقذافي ليبيا، وحتى ملوك السعودية الذين كانوا يطلقون الوعود بالإصلاح منذ
الستينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، ولم تكن الوعود سوى الدوران في حلقات
مفرغة. فكل الطغاة على دين واحد وهو الديكتاتورية المطلقة.
لقد تغيّرت الشعوب وبقي الطغاة متمسّكين بعناد بوهم المشروعية الشعبية
والدينية، ولذلك لم يعد ثمة أملٌ في أن يصحو أيُ من طغاة العرب على حقيقة أن
الشعوب باتت في مكان آخر، بعد أن أسقطت بعبع الخوف الذي زرعه الطغاة في أذهان
وقلوب المواطنين للهرب من قدر الثورة، ولكن الأكذوبة سقطت اليوم ولا مناص من
مواجهة إعصار الشعوب الذي سيطيح الديكتاتوريات المتعفّنة.