بعد ثورة تونس وانتصار شعبها الأبي في إسقاط أحد الأصنام السياسية في
منطقتنا العربية، انتعشت تطلّعات مغرب العرب كما مشرقه أملاً في أن تبدأ نهاية
الوثنية السياسية التي حكمت الشعوب العربية من المحيط الى الخليج على مدار عقود
طويلة..
حين تنبّه الغرب والإدارة الأميركية على وجه الخصوص بأن ثمة تحوّلاً تاريخياً
في تونس يوشك أن يقع لم يكن ثمة بدٌّ من المزايدة الخادعة في تأييد حق الشعوب
في اختيار قادتها، وكأن الإدارة الأميركية للتو قد تعرّفت على هذا الحق، أو
وكأنها أفاقت على نظام سياسي في تونس يفتقر للشرعية الشعبية، وأن حاكمه ليس
أكثر من مجرد طاغية..
الغرب ليس ديمقراطياً البته، حين يأتي الكلام عن منطقتنا العربية، والخليجية
على وجه التحديد، بل هو مصنّع فعّال للطغّاة، وداعم لهم، ببساطة لأنه لا يكترث
للديمقراطية ولا بقيم العدالة والحرية والمساواة فهو يبحث عن حرّاس وحماة
لمصالحه الحيوية، وإن كان ذلك على حساب مصير الشعوب. فهاهي واشنطن تدعم
ديكتاتوريات عريقة قي منطقتنا العربية، ولم نسمع في يوم ما أنها تحرّكت فعلياً
لجهة فرض عقوبات أو وقف التعاون مع أنظمة ديكتاتورية ما لم تقدم على إدخال
إصلاحات جوهرية في نظامها السياسي من أجل تمكين الشعوب من اختيار حكّامها،
وإقرار مبدأ تداول السلطة، وبناء دولة القانون..
يسوّق المسؤولون الأميركيون خدعة سمجة مفادها: إننا لا نتدخل في شؤون الحكم في
المنطقة، وأننا ندعم حق الشعوب ولكن بعد تحرّكها هي إذ لا يمكننا أن نطالب
بالنيابة عن الشعوب بحقوق قد لا تطالب بها.. وفي ذلك كلامٌ طويل، إذ إن الكذبة
البلهاء تبدأ بـ (عدم التدخل)، الذي يدرك العرب عموماً والخليجيون خصوصاً بأن
التدخل الأميركي يكاد يصل الى (قائمة الطعام) اليومي للمواطنين، وبلغت الوقاحة
في بعض صور التدخّل الأميركي كما في اليمن والعراق ولبنان وغيرها بأن يبلغ
السفراء الأميركيون قادة هذه البلدان ما يجب عليهم فعله..
الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت داعماً رئيسياً للديكتاتورية في الخليج، وهي
التي أمدّت الطغاة بأعمار سياسية إضافية بالرغم من انتهاء صلاحية الديكتاتورية
في بقاع عديدة من العالم، ولكنها واشنطن التي تؤخّر الأجل السياسي للنظم
الشمولية المتكلّسة، طالما أنها تلبّي شروط الحراسة للمصالح الأجنبية.. في
المقابل، ستجد نفس الإدارة الأميركية التي تدعم الديكتاتورية تقوم بدور مخاتل
وتطلق تصريحات تأييد للتحرّك الديمقراطي السلمي، كيما تكسب القادمين الجدد
للحياة السياسية، وتعيد لعبة الاحتواء..
بات من الضروري مع انتعاش آمال الشعوب في انتقال ثورة الياسمين في تونس الى
بلاد العرب، التذكير دائماً بأن ثمة ديكتاتورية أميركية تحكم منطقتنا العربية
والخليجية وهي التي توفّر الدعم والحماية لحرّاس النفط وإسرائيل معاً..بالأمس،
أفصحت الإدارة الأميركية عن موقفها الباطني بتشكيكها بانتقال ثورة تونس الى
بلدان عربية أخرى، بما يتناغم مع موقف وزير الـ (كلام فارغ) في مصر..لابد أن
نتعامل منذ الآن مع واشنطن في الخليج باعتبارها ديكتاتورية كباقي الديكتاتوريات
إلى أن يثبت العكس الصحيح.