gulfissueslogo
دروس تونس والجزائر في الخليج
موقع قضايا الخليج

ماجرى ـ ومازال يجري ـ في تونس والجزائر من احتجاجات شعبية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية يسترعي اهتماماً خاصاً وقراءة دقيقة. فما حدث في أجزاء من الشمال الأفريقي ليس مقطوع الصلة عن الهموم اليومية للإنسان الخليجي، وقد نفهم ذلك من مسارعة بعض حكومات دول مجلس التعاون الى إتخاذ بعض القرارات الإقتصادية أو بالأحرى إطلاق وعود بالإصلاحات الاقتصادية خشية انتقال عدوى تونس، على الأقل كحالة مرشّحة لثورة شعبية عارمة، الى دول عربية أخرى تعيش أوضاعاً مشابهة.
لم يكن أحد يتوقّع أن تكون مدينة سيدي بوزيد الواقعة وسط تونس والتي تربط الشمال بالجنوب أن تشهد انتفاضة شعبية فتتحول الى الشرارة التي تنطلق منها سلسلة انتفاضات شعبية على كامل التراب التونسي. فقد انطلقت انتفاضة سيدي بوزيد في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي وكان المطلب معيشياً، حيث طالب العاطلون عن العمل من وزارة التعليم العالي حل مشكلة البطالة، ولكن ما لبثت سيدي بوزيد أن تحوّلت الى قاعدة الثورة الشعبية في تونس عقب وفاة شاب متأثراً بجراحة في 4 كانون الثاني (يناير) الجاري، كرد فعل على قيام عناصر الحرس الوطني بمصادرة بضاعته في  أحد شوارع التسوق. فكان الحادث بمثابة شرارة ثورة شعبية، انفجرت في أرجاء تونس الخضراء، وارتفع مستوى المطالب الاقتصادية بحيث أصبح هناك مطلب شعبي واحد: زوال الرئيس.
لقد بات واضحاً، أن الإحتجاجات الشعبية تبدأ من الحاجات المباشرة واليومية والمعيشية ولكنها ما تلبث، في تتبّع آفاقها المستقبلية وتداعياتها السياسية، أن تتحوّل الى ثورة شعبية ذات طابع سياسي، فالعقل الجمعي والشعبي هكذا يعمل، ويتطلّع، ويخطط في لحظة ما خلال سيرورة النشاط الاحتجاجي.
بالنسبة للجزائر التي تنبّهت الى خطورة المساس بلقمة الناس، تراجعت على وجه السرعة عن قرارات وجدت فيها مغامرة في المجهول، ومع ذلك فإنها مازالت تداوي قرارات خاطئة أقدمت عليها في لحظة غير مسؤولة.
لم يعد الواقع الخليجي وردياً الآن، كما كانت المزاعم تساق فيما مضى من السنوات، فقد أماط الفضاء الإعلامي الكوني اللثام عن حقائق مفزعة لواقع شعوب الخليج. فلا يكاد يمضي شهر إلا وتشهد أكثر من دولة خليجية تظاهرة أو اعتصاماً إحتجاجاً على أوضاع اقتصادية. بالأمس القريب، إعتصم عشرات المدرّسين العاطلين عن العمل في الرياض أمام وزارة التعليم مطالبين بوظائف لهم. ليس مشهداً ناشزاً رؤية مئات الطلاّب أو آلاف الباحثين عن عمل وهم يحتشدون أمام أبواب الجامعات أو وزارات العمل أو حتى التظاهر في الشوارع. ومن المفارقات المثيرة، أن يحدث ذلك كله ليس بسبب انخفاض مداخيل الدول الخليجية، بل الطفرة قد فاقت توقّعات خبراء الإقتصاد، وأن الفائض المالي في كل دول الخليج قادرٌ على إيجاد حلول جذرية لكل المشكلات المعيشية والخدمية.. ولكنّه الفساد المالي والإداري الذي أضاع كل شيء!
على أية حال، فإن ما يجري في تونس هو نموذج يمكن تخيّله في أي دولة خليجية، وأن المطالب الاقتصادية ليست مفصولة عن المطالب السياسية، فقد أدبر الزمن الذي يكتفي فيه الناس بالخبز عوضاً عن الحرية، فهما متلازمان، وبدونهما معاً  لا تصان الكرامة.  

copy_r