08-01-2011
حين تكثر التحديات وتزداد خطراً يتطلّع الناس العاديّون الى من وضعوا الآمال
عليهم كيما يضطلعوا بدور ما يدرأ عنهم أخطاراً قريبة عاجلة، أو يحذّرونهم من
أخطار بعيدة آجلة، فالنخبة من المجتمعات هي التي تتميّز بامتلاك قسط أكبر من
العلم، وقدراً أعلى من الوعي، وتالياً سرعة تشخيص ورصد الأخطار قبل وقوعها..
هذا باختصار ما يميّز أية نخبة في العالم، وإلا لما كان هناك سببٌ يجلعها تتسنم
مقاماً رفيعاً، ولما كان لها أن تدلي بأفكار وتصوّرات حول الواقع وسبل تغييره.
في العقود الثلاثة الأخيرة، شهد الواقع الخليجي تحديات جمّة، من أبرزها الوجود
الأجنبي والحروب التي كان هذا الوجود العامل الرئيسي في اندلاعها، وموضوع
الإصلاح السياسي الذي تنبّه الخليجيون إلى أهميته بعد غزو قوات الرئيس العراقي
السابق صدام حسين الكويت في آب (أغسطس) 1990، وأخيراً، وليس آخراً، موضوع
الإرهاب الذي تفجّر على حين غرّة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ملفات، أو بالأحرى تحدّيات، كان من الضروري أن تستقطب اهتمام النخب الخليجية من
اليمن جنوباً وحتى العراق شمالاً مروراً بجميع دول مجلس التعاون الخليجي، لتدفع
بها للإنخراط المباشر والفاعل لناحية التعبير عن هواجس الشعوب وتطلعاتها، إذ لا
يمكن في القضايا المصيرية أن تكون النخب الخليجية غائبة بملء إرادتها أو حتى
مقهورة على فعل ذلك، لأن الأعذار تتلاشى حين يجري الحديث عن نخبة واعية لتحديات
كبرى تحدق بأمة بأكملها.
وإذا كانت النخب الخليجية قد عانت من التمزّق على المستوى الجماعي، حيث أصبح
الإطار القطري حاكماً على تحرّكات وآفاق التفكير لدى أفراد النخب الخليجية، ما
أقعدها عن مواجهة تحديات ذات طبيعة جماعية، مثل الامن الخليجي، والوجود
الاجنبي، والتهديدات الإرهابية، والإصلاح السياسي، والنظام الإقليمي..
ما يؤسف له أحياناً أن النخب الخليجية تقع ضحية الدعاية الموجّها أو المصالح
الضيقة الشخصية أو الفئوية، بحيث تقبل أن تكون جزءً من مشروع أجنبي أو الانغماس
في دوائر الأنظمة المستبدة، ما يسلبها قدرة تمثيل مصالح الناس عامة، وليس الذات
أو الفئة الخاصة. أليس مستغرباً أن يصنع الآخر لبعض النخب الخليجية قائمة
أعدائها وحلفائها، فتصبح (إسرائيل) في لحظة ما دولة صديقة، أو تكاد أن تكون
كذلك لفرط ما دافع بعض الأقلام عنها في حربيها على لبنان وغزة، وأن تصبح
الولايات المتحدة، كقوة عسكرية احتلالية واستعمارية وجوداً مألوفاً إن لم يكن
مطلوباً، خصوصاً مع هلوسة العدواة لإيران..
لم ينته التاريخ بعد بالنسبة للنخب الخليجية، ولابد، مع إصرار أنظمة خليجية على
استبعاد دور شعوبها والتصرّف على أساس أن ليس هناك رأي آخر يجب سماعه في هذه
المنطقة، أن تستعيد المبادرة الشعبية وأن توصل ما انقطع من روابط فيما بينها
وتشكيل جبهة خليجية ممتدة لحماية مصالح شعوب المنطقة كافة بعد أن تبيّن أن
الأنظمة ليست على قدر المسؤولية، وبعد أن تبيّن أن الغرب لا ينظر الى خليجنا
إلا من خلال كمية النفط الذي يحصده، أما الشعوب فلا شأن له بها إن عاشت أو
ماتت، فهل تعي النخب الخليجية دورها التاريخي بعد الآن؟