أسدل الستار على عام ورفع الستار عن عام آخر جديد، فهل يمضي كسابقيه من
الأعوام دون تغيير جوهري في واقع الشعوب الخليجية؟ باستثناء، بطبيعة الحال،
الموضوع الطارىء الذي يراد له أن يشغل شعوب المنطقة والعالم، ألا وهو الملف
النووي الايراني الذي أصبح غطاءً لأبشع الإقترافات بأنواعها السياسية
والإقتصادية والأمنية والاخلاقية، تماماً كما هو ملف المحكمة الدولية في لبنان
الذي أصبح غطاءً لمشاريع إقليمية ودولية، فيما تغيب قضية الشعوب عن قصد وإصرار.
مع إطلالة كل عام جديد، يحمل الخليجيون، شأن كل شعوب العالم، قائمة تمنيّات
يرجون تحقيقها، ولفرط اليأس الذي أصاب كثيرين أوكلوا أمر تحقيقها الى أي جهة
كانت، طالما أن من بيدهم أمر العباد لا ينوون الإقلاع عن عادة الاستبداد
بالسلطة، واحتكارها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ملفات القلق، كما يمكن أن نطلق عليها، لدى الخليجيين تتزايد كماً ونوعاً، فيما
لا سبيل الى حلول جذرية ناجعة. على سبيل المثال، فإن ملف حقوق الإنسان يكتظ
بآلاف الإنتهاكات في دول مجلس التعاون الخليجي، الى الحد الذي ضاقت الأخيرة معه
من حرية التعبير، وهي من الحقوق الأساسية لكل بني البشر، وما جرى في الكويت
لأعضاء البرلمان، أو الاعتقالات التعسفية في السعودية والبحرين والإمارات
لأشخاص، كانت التهّمة الموجّهة إليهم لا تتجاوز انتقاد سياسات الحكومة أو أحد
أجهزتها أو شخصياتها، كل ذلك يعكس مستوى التردّي في مجال حقوق الإنسان. ولعل من
اللازم الإشارة الى جريمة الربط بين مشروعية ممارسة النقد وحرية التعبير من جهة
والإرهاب من جهة أخرى، حيث باتت حكومات خليجية تلجأ الى تكتيك مضلّل ضد الأشخاص
الذين يمارسون حقهم في التعبير والنقد، إذ يجري تصنيفهم، ظلماً وعدواناً، في
خانة الداعمين للإرهاب من أجل كسب تعاطف دولي، أو صرف الأنظار عن الأوضاع
الداخلية المتردّية..
ملف آخر يدعو للقلق هو الفساد الإداري والمالي، والذي بلغ مستويات قياسية في
أغلب دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المفارقات المدهشة، أن نسبة الفساد المالي
تزايدت بعد تشكيل لجان لمكافحة الفساد، بل وبعد إعلان دول خليجية عن مشاريع
إصلاحية مثل البحرين والسعودية. وبحسب ناشط حقوقي بحريني، فإن حجم ما تمّت
مصادرته من الأراضي العامة من قبل العائلة الحاكمة في البحرين بعد إعلان الملك
عن الإصلاحات في العام 2000 يعادل ماتمّت سرقته من الأراضي منذ قرن كامل. أما
في السعودية، فقد بلغ حجم الفساد المالي بحسب إحصاءات شبه رسمية 3 تريليون ريال
سعودي (ما يعادل 800 مليار دولار)، وقد أنبأت سيول جدة والرياض والدمام عن طرف
من رواية الفساد الهائل في هذا البلد.
في العام الجديد، يتطلّع غالبية السكّان في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي الى
انتقال نوعي في أوضاعهم المعيشية، والحقوقية، والسياسية، إذ لا يمكن أن يكون
القانون آخر ما يمكن التفكير فيه في ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، مع أن
الدولة نفسها ما نشأت إلا للوصول الى نقطة العناق مع القانون باعتباره أداة
لتحقيق العدالة، والمساواة، والرفاه للإنسان. أن تتمتّع فئة محدودة بالسلطة،
والثروة، والحرية يعني إرساء علاقة مأزومة مع غالبية السكّان، ومنها تتسلل
مشاريع الإعتماد على الأجنبي في حماية العروش، ومشاريع تبديد الثروات،
والطاقات، وحينئذ تصبح خيارات الشعوب مفتوحة للخلاص من المظالم الواقعة عليها،
فهل تبقّى درسٌ لحكومات الخليج لم تستوعبه بعد، أم أنها استوعبت كل الدورس
وتعمل خلاف شروط العلاقة الصحيّة بين الحكّام والمحكومين؟