فورين بوليسي.كوم, 23 أيلول/سبتمبر 2011
في الوقت الذي تبدأ فيه اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قد
يكون اهتمام العالم مركزاً على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني -- لكن التوتر ما
زال حاداً في قطعة من الأرض متنازع عليها بين السكان في منطقة أبعد في الشرق.
ففي مملكة البحرين، بدأ الصراع بين المسلمين السنة والشيعة -- ورعاتهم ذوي
الشأن، السعودية وإيران -- يدخل مرحلة جديدة مع بدء الانتخابات التكميلية
للبرلمان في البلاد في 24 أيلول/سبتمبر.
فالبحرين هي الجزيرة التي رسمت فيها المملكة العربية السعودية في آذار/مارس
خطاً نموذجياً في الرمال ضد زحف "الربيع العربي" [إلى تلك المنطقة]، بقيادتها
تحالف مكوّن من السعودية والإمارات العربية المتحدة قام بإرسل 1600 من أعضاء
القوات شبه العسكرية المدربين على مواجهة أعمال الشغب بالإضافة إلى أكثر من 20
دبابة، عبروا جميعهم الجسر الذي يربط البلدين لإخماد انتفاضة تحت قيادة شيعية.
وقد أدت حملة القمع إلى قيام حزب المعارضة الشيعي "الوفاق" إلى سحب 18 من
أعضائه في البرلمان المكون من 40 مقعداً وتقديم استقالتهم احتجاجاً على الحملة
التي فرضها النظام؛ وتهدف الانتخابات التكميلية، المقررة من قبل النظام الملكي
الحاكم، إلى ملء تلك المقاعد الشاغرة. ويقاطع حزب "الوفاق" هذا الاقتراع، لكن
هناك مرشحين شيعة مستقلين يخوضون هذه الانتخابات. وقد أطلق الزعيم الروحي
المحلي لحزب "الوفاق"، الشيخ عيسى قاسم، المعروف من قبل منتقديه السنة كـ "آية
الله"، لقب "ديمقراطية وهمية" على البحرين في خطبته النارية يوم الجمعة 23
أيلول/سبتمبر.
وتهدد الانتخابات زعزعة الاستقرار المتوتر الذي يسيطر الآن على البلاد. فقد
يكون قد تم هدم "نصب اللؤلؤة" التذكاري -- الذي هيمن على ساحة دائرية مزدحمة
بالمرور تجمّع حولها المتظاهرون في وقت سابق من هذا العام -- ولكن الناشطون
الشيعة كانوا قد وعدوا بإعادة احتلال المنطقة هذا الأسبوع. إن قيام مثل هذا
الإنقلاب سيشكل تحدياً -- حيث يخضع هذا المفترق لحراسة قافلة من سيارات الأمن
الداخلي، كما هناك مجموعات من مركبات "همفي" المدرعة التابعة للجيش البحريني
تقف هي الأخرى على أهبة الإستعداد على جانب الطريق لمواجهة أي حادث.
وقد كتب أحد الأصدقاء الذي يعيش في المنامة في رسالته الإلكترونية، "البحرين
ستصل إلى نقطة الغليان في نهاية هذا الاسبوع". لا أعتقد أنه كان يشير إلى
الطقس، على الرغم من أن درجات الحرارة في ساعات الظهر هي أكثر من 100 درجة
فهرنهايت بشكل ثابت. وبالمثل، أصدرت السفارة الأميركية في العاصمة البحرينية
تحذيراً كئيباً، حثت فيه الأمريكيين على الابتعاد عن "مظاهرة عنيفة محتملة"
بالقرب من "دوار اللؤلؤ" الذي أطلقت عليه الحكومة حالياً اسم "تقاطع الفاروق"،
على الرغم من أنه يعرف من قبل المعارضة الشيعية باسم "ساحة الشهداء".
يبقى أن نرى إذا كانت المظاهرات ستنجح في أهدافها، ولكن نتائج الانتخابات
التكميلية غير واضحة. وسترى الحكومة انتخاب الأعضاء الجدد -- جميع المحافظات
المعنية هي مناطق يسكنها الشيعة في المقام الأول -- بمثابة تأييد لخطواتها
الحذرة نحو منح المواطنين المزيد من الديمقراطية التمثيلية. وسوف يتيح ملء
المقاعد عودة "الجمعية الوطنية" بمزاولة مهامها مرة أخرى، حتى إذا ما استمالت
الحكومة إلى التقليل من عدد الشيعة في "الجمعية" (تغيب الناخبين وتزوير
الاقتراع يمكن أن يؤديا إلى انخفاض عدد الأعضاء الشيعة من 18 إلى 12). إن إحياء
النظام السياسي سيمكّن الحكومة من تنفيذ اقتراحات سياسية متواضعة تم عرضها خلال
فترة الصيف عن طريق الحوار الوطني، الذي ناقش خلفية المتاعب التي حدثت في شهري
شباط/فبراير وآذار/مارس.
وسيقوم حزبا "الوفاق" و"الحق" الشيعي المتشدد (الذي اعتبر دائماً أن المشاركة
السياسية هي مضيعة للوقت) بتصوير النتيجة كورقة التين التي تغطي الجرح المفتوح
لبلد ذو أغلبية شيعية تحكمه [أقلية] سنية، حيث، على الرغم من وعود الإصلاح، ليس
لدى عائلة آل خليفة المالكة نية لفقدان قبضتها السياسية أو التجارية.
وحتى إذا جرت هذه المعركة في الشوارع أو في صناديق الاقتراع، فالأمر يتعلق
بالتصورات المتنافسة، وبإمكان المرء الاختيار. وفي أحدث الانتقادات التي نشرتها
وسائل الاعلام، كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" في صفحتها الأولى في 16
أيلول/سبتمبر مقالة تضمنت مزاعم عن إجبار المعتقلين الشيعة على أكل البراز --
ممت أثار رد فعل قوي من قبل سفير البحرين في واشنطن، الذي شكا بأن التقرير
"يتغاضى النجاحات التي حققناها في توحيد غالبية البحرينيين."
ربما من المستغرب، أن بعض التنوع الثقافي -- الذي يمكن وصفه بأنه في منتصف
الطريق بين نقيضين -- قد صمد في مواجهة الاستقطاب السياسي. ففي مؤتمر صحفي عُقد
في 22 أيلول/سبتمبر، تحدث ثلاثة مرشحين يمثلون أربع مناطق انتخابية فازوا فيها
بالتزكية وكلهم من الشيعة. الأول رجل دين يرتدي عمامة كان يمكن أن يعمل في
ستوديو للأفلام لكي يقوم بدور أحد الملالي الايرانيين. والثاني مهندس تدرب في
موسكو كان يرتدي سترة وربطة عنق ويدير شركة مقاولات محلية ناجحة. والثالثة
ترتدي حجاب، وإن كانت قد وضعته بصورة أكثر فضفاضة من أغطية الرأس التي ميزت
العديد من النساء السنة الحاضرات في تلك المناسبة، وعملت سابقاً معلمة للياقة
البدنية.
سيكون المسؤولون الحكوميون مسرورين إذا سمعوا بأن هؤلاء الثلاثة يتمسكون جميعاً
بالخط الرسمي المتمثل بوضع مستقبل البلاد على رأس أهمياتهم، وبسبب تعرضهم لضغوط
لجهة ما أو لأخرى من قبل بعض الناس في المجتمع الشيعي بأن لا يتخذوا موقف معين،
فإن وضعهم يناسب الحالة التي تصورّها الحكومة عن أعضاء حزب "الوفاق" بأنهم
متطرفين. لكن قد تكون الحكومة أقل ابتهاجاً لأن تعليقاتهم قد كشفت التوتر
الكبير القائم في الجزيرة: فرجل الأعمال الذي بدأ ملاحظاته بقوله، "باسم الله،
أنا مهندس"، تحدث عن الحاجة الملحة لمعالجة مشكلة الشيعة المحتجزين وأولئك
الذين تم فصلهم من أعمالهم بسبب نشاطهم السياسي.
وبغض النظر عما ستسفر عنه الانتخابات التكميلية، فلن تغير نتائجها ميزان القوى
في الجزيرة. فالمجلس الوطني هو هيئة استشارية بحتة -- ولن يكون للأعضاء الجدد
في المجلس سوى تأثير ضئيل، وبالتأكيد لن تكون لهم قوة سلطوية. وستبقى التركيبة
السكانية هي العامل الرئيسي الذي سيؤثر على مستقبل البلاد. وعندما أُجري تعداد
للسكان في البحرين، طُلب من الناس تعريف أنفسهم إن كانوا يهود (هناك أقل من 40
يهودي في الجزيرة، من بينهم سفيرة البحرين في واشنطن)، مسيحيين، مسلمين،
أو"آخرين". ولكن لا يوجد تقسيم طائفي بين المسلمين السنة والشيعة.
ولذلك فإن تفاصيل الأرقام الديموغرافية بين الشيعة والسنة البحرينيين هي مسألة
نزاع مرير. وقد اعترف مسؤول حكومي الذي عادة أكثر ما يُعرف بالثرثرة، ومع ذلك
رفض أن يُذكر إسمه بأن المعارضة "تقول أن 70 [في المائة هم شيعة] و30 [في
المائة هم سنة]، ونحن نقول 50/50. والحقيقة هي نسبة غير معروفة بين الإثنين. "
وبالتالي، فقد كان انشغال النظام الملكي في البحرين هو على مكافحة كل من
التصورات الدولية والمحلية بأنه مجرد نظام أقلية آخر في العالم العربي يتمسك
بالسلطة ضد إرادة سكان يعادون سياسته. وعندما تحدث الملك حمد بن عيسى آل خليفة
في الأمم المتحدة في 22 أيلول/سبتمبر، كان الهدف -- ربما الهدف الوحيد --
لتصريحاته هو مجرد إظهار ما يكفي من الرغبة في الإصلاح للحصول على دعم الولايات
المتحدة المستمر لحكومته، والتي يمثل فيها مرفق القاعدة البحرية الذي يضم مقر
الأسطول الأمريكي الخامس، الرمز الأكثر وضوحاً. وكان على البيت الأبيض أن يقتنع
بالكلمات التالية من قبل الملك: "نؤكد هنا دعمنا لنتائج الحوار [الوطني]".
وربما كانت أقل نفعية هي سخرية الملك تجاه طهران لمواصلتها "احتلال" الجزر
الإماراتية الثلاث.
وقد أظهرت الصحف المحلية صور الملك جالساً على نفس طاولة الغداء التي كان يجلس
فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولكن لفرصة التقاط الصور كان هناك ثمن.
فعلى الرغم من أن أوباما قد أكد أن الولايات المتحدة هي "صديق مقرب من
البحرين"، إلا أنه قال أيضاً: "لقد تم اتخاذ خطوات في اتجاه الإصلاح والمساءلة،
لكن هناك حاجة إلى المزيد."
وسيتطلب التحول من التمييز إلى الديمقراطية إتخاذ قرارات أصعب من البديهيات
الدبلوماسية أو العبارات السطحية التي قام بصياغتها استشاريون من دوري الدرجة
الاولى في العلاقات العامة. وقد اعترف لي المسؤول الحكومي الثرثار بأن إيران
"لم تشارك في البداية"، لكنها "لم تفوّت فرصة" للتأثير على الأحداث منذ بدء
الإضطرابات في وقت سابق من هذا العام. وباستثناء بعض الأفراد الشيعة الذين
سيشاركون في الانتخابات في نهاية هذا الأسبوع، لا تزال هذه الطائفة ساخطة إلى
حد كبير. وكإشارة إلى أي مدى يجب أن تتحسن الأوضاع في البلاد، يتضمن الموقع
الألكتروني للسفارة الأمريكية خرائط تبين المناطق التي ينبغي أن يتجنبها
الأمريكيون. فهي تظهر أجزاء كبيرة من الجزيرة -- وخاصة مجموعات من القرى
الشيعية -- كخارج حدود [الزيارات].
ولتحقيق النجاح، يجب أن يظهر الملك حمد قيادة متماسكة. فبالنسبة للبحرينيين،
الذين يرون مظهره يحدق بهم كل يوم من على الملصقات على جوانب الطرق ومن صوره
المعلقة في المكاتب والمباني الحكومية، فهو زعيم البلاد. ولكن بالنسبة
للدبلوماسيين الأجانب، يبدو متردداً في كثير من الأحيان. فعادة ما تظهر صورة
الملك إلى جانب تلك التي يظهر فيها عمه الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الشخص
الذي خدم أطول فترة في العالم كرئيس للوزراء، وصورة نجل الملك ولي العهد الأمير
سلمان، الذي هو ينبوعاً من أفكار الإصلاح التي منذ آذار/مارس، غالباً ما يبدو
بأنه قد تم تهميشها. إن قيام علاقات ناجحة بين هؤلاء الثلاثة هو كلام نموذجي
لنشر الإشاعات من قبل الصحفيين وتفرغ تام بالنسبة للدبلوماسيين المحليين.
إن عائلة خليفة الكبيرة والعلاقات المتداخلة لدول الخليج العربية تزيد الأمور
تعقيداً. فالشيخ خالد نجل الملك حمد، وهو ضابط في الجيش متزوج من ابنة العاهل
السعودي الملك عبد الله، موجود حالياً مع الملك في نيويورك هذا الأسبوع. وابناً
آخر، الشيخ ناصر، متزوج من ابنة حاكم دبي. يمكن أن تكون هناك نفعية من أن يكون
للمرء جوار غنيون كأصهار، ولكن يمكن لذلك أيضاً أن يربط أيدي النظام الملكي عند
التعامل مع المعارضة في الداخل. فلا السعودية ولا دبي تعتبر نموذجاً
للديمقراطية يحتذى به، وقد تعززان فقط من إحساس الملك حمد بحقه في الحكم.
عندما يعود الملك، تكون الانتخابات التكميلية قد انتهت. ولكن بعد إغلاق صناديق
الاقتراع، فإن التحديات التي ستواكب توجيه مستقبل البحرين في منطقة مضطربة
ستبقى قائمة.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد
واشنطن.