gulfissueslogo
محطات في تاريخ البحرين
هيثم الحسين

 البحرين جغرافياً:

اختلف المؤرخون والجغرافيون على حد سواء حول موقع البحرين في التاريخ القديم، والمساحة التي يغطيها هذا الموقع، ولعل ثمة تداخلاً كبيراً بين ما يعرف بمنطقة الخط أو خط عبد القيس وهي المناطق الواقعة بين البصرة وعمان، وربما اقتصر اطلاق الخط على شاطىء هذه المنطقة (أي القطيف)، وبين ما يعرف بالبحرين التاريخية التي يحددها الحموي في البلاد الواقعة ما بين البصرة وعمان ، وأمضى ذلك الخليل بن احمد الفراهيدي .

ولكن بمرور الوقت اخذت تسمية الخط تقتصر على كونها قرية على ساحل البحرين، بعد أن كانت كما جاء في شعر المقرب من صفوى الى الظهران. والخط كانت موطناً لعبد القيس فيها الرماح والجياد قال عمرو بن شاس:

بأيديهم سمر شداد متونها                          من الخط أو هندية احدثت صقلا
وقال الخليل، فاذا نسبت الرماح اليها: قلت رماح خطية.
وقال ابن الانباري: يقال لسيف البحرين خط، ولا ينبت بالخط القنا ولكنه مرسى سفن القنا، كما قيل مسك دارين وليس بدارين مسك، ولكنه مرسى سفن الهند .

وأما البحرين، فإن التاريخ من خلال جمع معطياته والمعلومات المتاحة التي تجمعت منه حول المنطقة، تشير بدرجة أساسية الى أن البحرين في التاريخ العربي والإسلامي كانت محصورة في الأحساء والقطيف، والى هذه الحقيقة أشير في تحديد الهوية الجغرافية للقطيف، حيث قالوا عنها بأنها إحدى مدينتي البحرين والأخرى هجر ، واليها لجأ الجارود بعبد القيس حين ارتدت بنو بكر التي ضربت حصاراً شديداً حول القطيف وجواثى ، وقيل بأن القطيف كانت عاصمة البحرين في بعض ادوار التاريخ العربي والاسلامي ، وأن العلاء الحضرمي كان يقيم فيها ابان ولايته على البحرين مما يؤكد حقيقة كون القطيف عاصمة البحرين، كما قيل في التعريف الجغرافي بمدينة هجر بأنها: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين  وقيل ناحية البحرين كلها هجر ، وفي نهاية الأرب: أن هجر خربها القرامطة عند استيلائهم على البحرين وكان يسكنها طوائف من العرب والعجم فمن العرب: قبائل تميم وعبد القيس وبكر بن وائل.

وقد اشتهرت هجر بسوقها، حيث كانت للعرب سوق يقيمونها في شهور السنة وينتقلون من بعضها الى بعض، ويحضرها سائر قبائل العرب من بعد منهم ومن قرب، فكانوا ينزلون دومة الجندل،أول يوم من ربيع الاول فيعشرهم رؤساء آل بدر في دومة الجندل، ثم ينتقلون الى سوق هجر وهو المشهور في ربيع الآخر، وكان يعشرهم المنذر بن ساوى ثم يرتحلون الى عمان، ثم قرى شحر، ثم عدن، فالرابية من حضرموت ثم عكاظ في الاشهر الحرم .

وكان عبد القيس قد غلبوا على البحرين واقتسموها بينهم، فنزلت جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن افصى بن عبد القيس الخط وأعناءها، ونزلت شن بن أفصى بن عبد القيس طرفها وأدناها الى العراق، ونزلت نكرة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس وسط القطيف وما حوله . 

مملكة فارس والبحرين

لما مات هرمزدان فارس في اطراف الارضين شاع أنه ليس لأرض فارس ملك، وأن أهلها يلوذون بصبي في مهد ـ بعد موت مؤسس السلالة الساسانية في فارس اردشير عام 241م ـ وهو القائل: إني قد استحوذت على الارض، ودان لي جميع الملوك، وليس لي ولد، يرث ملكي الذي أنصبت فيه نفسي.
أثارت مملكة فارس طمع المناطق المجاورة، وكانت بلاد العرب ادنى البلاد الى فارس، فورد جمع عظيم من الاعراب من ناحية البحرين وكاظمة الى أبرشهر وسواحل اردشير خره، وكان اهل هذه المناطق من أحوج الامم الى تناول شيء من معايشهم وبلادهم، لسوء حالهم وشظف عيشهم فسار جمع عظيم منهم من ناحية بلاد عبد القيس والبحرين وكاظمة، حتى أناخوا على أبرشهر وسواحل اردشير خره وأسياف فارس، وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعايشهم، وأكثروا الفساد في تلك البلاد، فشنوا بها الغارة، وأتى بعض ملوك غسان على الجزيرة في جموع عظيمة حتى أغار على السواد، فمكثت  مملكة فارس حيناً لا تتمنع من عدو لوهي امر الملك.

فمكثوا على ذلك من امرهم حيناً، لا يغزوهم أحد من الفرس، لعقدهم تاج الملك على طفل من الاطفال وقلة هيبة الناس له حتى تحرك سابور وترعرع  ثم جمع عدة من المقاتلين بلغت ألف رجل، وسار فيها بعد أن اصدر أوامره ونهاهم عن الابقاء على من لقوا من العرب..ثم سار بهم فأوقع بمن انتجع بلاد فارس من العرب وهم غارون، وقتل منهم، أبرح القتل، وأسر أعنف الاسر وهرب بقيتهم.

ثم قطع البحر في اصحابه، فورد الخط، واستقرى بلاد البحرين، يقتل أهلها ولا يقبل فداء، ولا يعرج على غنيمة، ومضى على وجهه، فورد هجر، وبها أناس من أعراب تميم وبكر بن وائل وعبد القيس، فأفشى فيهم القتل، وسفك منهم الدماء سفكاً سالت كسيل المطر، حتى كان الهارب منهم يرى أنه لن ينجيه منه غار في جبل، ولا جزيرة في بحر، ثم عطف على بلاد عبد القيس، فأباد أهلها الا من هرب منهم، فلحق بالرمال، ثم أتى اليمامة فقتل بها مثل تلك المقتلة، ولم يمر بماء من مياه العرب الا عوره، ولا جب من جبابهم الا طمه .

وقام بعملية تنظيم سكاني مخطط، فقد اسكن من بني تغلب من البحرين دارين، واسمهما هيج والخط، ومن كان من عبد القيس وطوائف بني تميم هجر، ومن كان من بكر بن وائل كرمان، وهم الذين يدعون بكر ابان، ومن كان منهم من بني حنظله بالرملية من بلاد الاهواز ، وهكذا وفر لنفسه ضمانات أمنية مستقبلية بعد أن عبث بالمعادلات السكانية القائمة التي تكونت على مدار مئات بل آلاف السنين.
ثم خرج من هذا البيت كسرى (531 ـ 579م) الذي كان آثر أبناء أبيه عنده لاجتماع الشرف فيه، غير أنه كان سيء الظن، مما أساء ذلك أباه، ووعده ابنه كسرى بأن يتخلص من هذه العادة، وقرر اصلاح نفسه، فملّكه أبوه قبّاد بعد 43 سنة من الحكم، وسلّمه حين وفاته مقاليد السلطة في مملكة فارس.
وقسّم كسرى انو شروان المملكة أربعة أرباع وولّى كل ربع رجلاً من ثقاته، فأحد الارباع: خراسان وسجستان وكرمان، والثاني: اصبهان، وقم، والجبل، وآذربيجان، وأرمينية، والثالث: فارس والاهواز الى البحرين، والرابع: العراق الى حد مملكة الروم . 

البحرين ودعوة الرسول

بقيت البحرين خاضعة لمملكة فارس، التي نقلت اليها عاداتها وثقافتها وتقاليدها، ولكن تلك التدابير الفارسية لم تحجب نور الاسلام القادم من الغرب، فقد كانت البحرين تترقب بشارة المصطفى بانبلاج فجر الاسلام، وترصد الحدث العظيم بظهور النبي الكريم محمد (ص)، فقد اقام امية بن ابي الصلت في البحرين ثمان سنوات وكان يقول:

الا رسول لنا منا يخبرنا
ما بعد غايتنا من رأس مجرانا

ثم خرج من البحرين وقدم الطائف وجاء الى الرسول (ص) في جماعة، وأطلعهم الرسول على دعوته ودعاهم الى الاسلام فقبلوا منه .
وتروى قصة اخرى، عن الراهب النصراني بحيرا  من نصارى البحرين وكان حدّق في بعض الظواهر الطبيعية، وقيل انه رأى النبي محمد (ص) وكان غلاماً في قافلة قريش التي مرت بالبحرين ـ والى ذلك تشير بعض الاحاديث عنه (ص)  أنه مر بالبحرين وفسح له فيها ـ حيث نصح الراهب بحيرا عمه ابا طالب بالعودة  بابن اخيه الى مكة وقطع سفره الى الشام، كما بشّر بحيرا رئيس عبد القيس المنذر بن عائذ الملقب بالاشج، وكانا يلتقيان كل عام في مدينة دارين الواقعة على ساحل القطيف والمعروفة في التاريخ بأنها كانت فرضة للسفن القادمة من الهند، بشّره بظهور نبي الاسلام في مكة.

وفي الواقع لم يتطلب قرار أهل البحرين قبول الدخول في الاسلام زمناً طويلاً، بل كانت الاجواء مهيأة تماماً لانبثاث الدعوة الاسلامية، وللانخراط في سلك المؤمنين، فقد أسلمت عبد القيس كلها طوعاً.

وفي العام الخامس للهجرة، انتظم اول وفد لأهل البحرين بقيادة المنذر بن عائذ العبدي، وجاءوا الى رسول الله (ص)، وبايعوه على الاسلام، وفي سنة تسع (وهي سنة الوفود) (أو العشر حسب اسد الغابة) ومقدمهم الجارود العبدي، وكان فيهم الاشج الذي قال له النبي (ص) فيك خصلتان يحبهما الله وسوله: الحلم والأناة، وكان فيهم الجارود بن حنش سيد عبد القيس، الذي وقف شاعراً بين يدي رسول الله (ص):
يا نبي الهدى أتتك رجـال                         قطعـت فـدفـداً وآلاً فآلا
تتقي وقع شر يوم عبوس                         أوجل القلب ذكره ثم هالا

وكان الجارود نصرانياً فأسلم على يد رسول الله (ص) كما اسلم اصحابه، وكانوا أربعين رجلاً،  ولم تزل رياسة عبد القيس بعد ذلك في بيته.
ولما قدم الوفد قال (ص): مرحباً بالقوم غير خزايا ولا الندامى. فقال رئيسهم يا رسول الله ان بيننا وبينك المشركين من مضر وانا لا نصل اليك الا في أشهر الحرم، حدثنا بجمل من الأمر ان عملنا به دخلنا الجنة وندعوا به من ورائنا، قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الايمان بالله هل تدرون ما الايمان بالله شهادة ان لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وان تعطوا من المغانم الخمس. وأنهاكم عن اربع ما انتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت.

وتسلم الوفد كتاباً من رسول الله (ص) الى الهلال صاحب البحرين: سلم انت، فإني احمد اليك الله، الذي لا اله الا هو، لا شريك له، وادعوك الى الله وحده، تؤمن بالله وتطيع، وتدخل في الجماعة فإنه خير لك والسلام على من اتبع الهدى  ويقول الاحمدي صاحب (مكاتيب الرسول):"لم أجد لهلال هذا ذكراً فيما تصفحت من كتب المعاجم والتاريخ الا ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى" ثم يعقب "ولربما كان هلالا مستسلماً غير محارب، ولم يكن مسلماً الا ترى الى قوله (ص) وتدخل في الجماعة، فكأنه انفرد عن اهل البحرين في بقائه على الكفر بعد اسلام اهل البحرين.." .

كما كتب (ص) برسالة أخرى الى عبد القيس بعد عودة وفدهم من المدينة البحرين، يبيّن فيها التشريعات الدينية المفروضة عليهم، ونص الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله لعبد القيس وحاشيتها من البحرين وما حولها، إنكم أتيتموني مسلمين مؤمنين بالله ورسوله، وعاهدتم على دينه، فقبلت على أن تطيعوا الله ورسوله فيما احببتم وكرهتم وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتحجوا البيت وتصوموا رمضان وتكونوا قائمين لله بالقسط ولو على أنفسكم وعلى أن تؤخذ من حواشي أموال أغنيائكم، فترد على فقرائكم، على فريضة الله ورسوله في أموال المسلمين" .

وكتب (ص) الى رئيس من رؤساء عبد القيس من محمد رسول الله الى الاكبر من عبد القيس: إنهم آمنون بأمان الله وأمان رسوله، على ما أحدثوا في الجاهلية من القحم ، وعليهم الوفاء بما عاهدوا ولهم أن لا يحبسوا عن طريق الميرة ، ولا يمنعوا صوب القطر، ولا يحرموا حريم الثمار عند بلوغه. والعلاء بن الحضرمي أمن رسول الله على برها وبحرها وحاضرها وسراياها وما أخرج منها، وأهل البحرين خفراؤه من الضيم  واعوانه على الظالم وانصاره في الملاحم، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه، لا يبدلوا قولاً ولا يريدوا فرقة، ولهم على جند المسلمين الشركة في الفيء، والعدل في الحكم، والقصد في السيرة حكم لا تبديل له في الفريقين كليهما، والله ورسوله ويشهد عليهم .
لقد كتب الرسول (ص) مكاتيب كثيرة الى البحرين، وصلت ما يربو على الاثني عشرة رسالة، وتوصل الباحث محمد امين ابو المكارم الى أن 10 بالمئة من اجمالي رسائل الرسول (ص) كانت للمنذر بن ساوى حاكم البحرين ، ويعلق صاحب (مكاتيب الرسول) على كثرة مكاتيب الرسول الى البحرين ما نصه:"فمن ذلك يعرف كثرة روابطهم واهتمام الرسول الاعظم (ص) بهم وعظم الاختلافات الباعثة على تشديده (ص) عليهم، ولعل ذلك كله للايادي السياسية العامة فيها من الامبراطورية الايرانية" .

وفي الواقع، أن الاسلام في البحرين كان له تميز غير عادي، وهذا ما تخبر به الروايات التاريخية والاحاديث النبوية، ففي البحرين: عن ابن عباس قال: أول جمعة جمعت في مسجد رسول الله (ص) في مسجد عبد القيس بجواثا من البحرين ، بل كانت البحرين من الخيارات المطروحة لهجرة الرسول (ص) حسب بعض الرويات، فقد روى ابن كثير الدمشقي في (البداية والنهاية) بمسنده عن جرير: أن النبي (ص) قال:"إن الله أوحى الي أي هؤلاء البلاد الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين" يقول ابن كثير: قال اهل العلم: ثم عزم له على المدينة فأمر اصحابه بالهجرة اليها  وفي رواية اخرى عن ابن كثير نفسه، قال قال رسول الله (ص) "أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فأما أن تكون هجر أو تكون يثرب" ، وقد ذكر هذا الحديث بألفاظ مختلفة ومضامين متحدة كل من الحاكم في مستدركه والترمذي في سننه وغيرهم.

ولا عجب اذاً، أن يظهر الرسول (ص) اهتماماً خاصاً بالبحرين وأهلها وان يخصهم بالاطراء والمدح والرسائل، بل ويخصهم بمبعوثين دينيين وسياسيين رفيعي المستوى، أي الموفدين من قبله (ص) للتبشير بالاسلام أو لمزاولة بعض الوظائف المدنية كجبي الزكاة، حيث بعث رسول الله (ص) سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخا بني عامر بن لؤي الى هوذة بن علي، صاحب اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرمي الى المنذر بن ساوى اخي بني عبد القيس صاحب البحرين، وعمرو بن العاص الى جيفر بن جلندي وعباد بن جلندي الأزديين صاحبي عمان، وبعث حاطب بن ابي بلتعه الى المقوقس صاحب الاسكندرية .

عمال رسول الله (ص) الاوائل:

فرّق رسول الله (ص)، في جميع البلاد التي دخلها الاسلام، عمالاً على الصدقات، على كل ما أوطأ الاسلام من البلدان، فبعث المهاجر بن ابي امية بن المغيرة الى صنعاء، فخرج عليه العنسي وهو بها، وبعث زياد بن لبيد أخا بني بياضة الانصاري الى حضرموت على صدقتها، وبعث عدي بن حاتم على الصدقة، صدقة طيء وأسد، وبعث مالك بن نويره على صدقات بني حنظلة، وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم، وبعث العلاء الحضرمي على البحرين وبعث الامام علي ابن ابي طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم .
يقول اليعقوبي "وكان عمال رسول الله، لما قبضه الله، على مكة: عتاب بن أسيد بن العاص، وعلى البحرين: العلاء الحضرمي، والمنذر بن ساوى التميمي" وبعضهم قال مكان العلاء: ابان بن سعيد .
وقد أردت في هذا المقام رفع اللبس الذي وقع فيه الكاتب محمد امين ابو المكارم حين رصد الادلة تلو الادلة كيما يثبت استمرار المنذر بن ساوى في حكومته على البحرين مستخدماً لغة جازمة صارمة في عناوينه الفرعية (المنذر بن ساوى حاكم البحرين حتى الموت) أو (ولا يزال المنذ حاكماً) ولم أجد فيما نظرت اليه من ادلته الا اطالة من غير طائل وتشديداً في غير وارد، وقلت في أول وهلة لعله خلط بين المناصب والمهام، فكون المنذر حاكماً لا ينفي كون العلاء كان موجوداً لمهمة اخرى في البحرين على زمن الرسول الكريم (ص)، والعلاء لم يبعث حاكماً حتى يصار الى تلك الاستعراضية الاستدلالية، فالثابت تاريخياً أن النبي بعث العلاء الحضرمي الى البحرين للدعوة الى الاسلام، ثم بعثه عاملاً لجباية صدقات البحرين، أي بتعبير آخر مسؤول الضرائب.

فضلاً عن هذا وذاك، أن تاريخ الاسلام علمنا أن الرسول (ص) في رسائله الى رؤساء الاقوام والاقاليم بدعوتهم الى الاسلام كان يبقي على ما تحت ايديهم اذا ما هم قبلوا بالدعوة، فكيف يبعث العلاء حاكماً وهناك المنذر بن ساوى الذي قبل الاسلام وكان حاكماً على المنطقة، وقد ثبته رسول الله (ص) على منصبه في رسالته اليه:"فإني ادعوك الى الاسلام فأسلم تسلم يجعل الله لك ما تحت يديك" . وفي رسالة اخرى ذكرها ابو المكارم في بحثه عن علاء الدين الاعلمي في (وهج الفصاحة ص 67) "أما بعد، إن رسلي قد حمدوك، وانك مهما تصلح أصلح اليك، وأثبتك على عملك وتنصح لله ورسوله والسلام عليك" .

ومما يجدر الالتفات اليه، أن العبارات التي استخدمت في كتب التاريخ كقول اليعقوبي في تاريخه: أمر صلى الله عليه وسلم العلاء حليف بن سعيد بن العاص على القطيف بالبحرين ، لا يصح نسبة الامر الى الامرة والحكم، والا وقعنا في مغالطة تاريخية، ولكن انما هو امر الدين، أي الاضطلاع بالشؤون الدينية من صدقات وابلاغ احكام الدين فحسب.
وأياً كان غرض ابي المكارم في تشديده على حقيقة كون المنذر حاكماً حتى الموت، يدفعه هو نفسه في جدول الولاة، حيث وضع العلاء في خانة العمال ووضع المنذر في خانة الولاة، وهو الصحيح، ويظل الغموض قائماً في سر ذلك التشديد، رغم أنه لا يشير من قريب أو بعيد الى القائل بأن العلاء كان والياً على البحرين. 

شذرات من تاريخ البحرين في عصر الخلفاء

خرج العلاء الحضرمي نحو البحرين، في خلافة أبي بكر الصديق (رض) في مهمة جديدة، لتولي منصب الوالي عليها، وكان النبي (ص) والمنذر بن ساوى مرضا في شهر واحد، ومات المنذر بعد النبي (ص) بقليل، ثم وقعت حادثة الردة في منطقة البحرين، في زمن الخليفة ابي بكر الصديق (رض)، عام 11 للهجرة، ووجّه العلاء الحضرمي في جيش، فدخل الزارة وناحيتها من أرض البحرين، فأما عبد القيس ففاءت، وأما بكر فتمت على ردتها، وكان الذي ثنى عبد القيس الجارود العبدي، وقد وقف في قومه خطيباً ودعاهم للعودة الى الاسلام ففاءوا.
وبعث العلاء في نفس العام ، الى ابي بكر بالمال، فكان أول ما قسمه ابو بكر في الناس بين الاحمر والاسود والحر والعبد ديناراً لكل انسان .
وروى أنس بن مالك أن ابا بكر لما استخلف بعثه الى البحرين عاملاً عليها وكتب اليه هذا الكتاب وهو: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله (ص) على المسلمين والتي امر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها  ومن سئل فوقها فلا يعط.." ثم ساق تفاصيل زكاة الانعام .

وكان عمال ابي بكر لما توفي: عتاب بن اسيد على مكة وعثمان بن ابي العاص على الطائف ورجلاً من الانصار على اليمامة، وحذيفة بن محصن على عمان والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وخالد بن الوليد على جيش الشام والمثنى بن حارثة الشيباني على الكوفة وسويد بن قطبة على البصرة  وعلى خولان يعلى بن امية، وعلى زبيد ورمع ابو موسى الاشعري، وعلى الجند معاذ بن جبل، وعلى حضرموت زياد بن لبيد، وصنعاء: المهاجر بن ابي أمية .

وفي خلافة عمر بن الخطاب (رض) (تولى سنة 13 للهجرة)، حيث دوّنت الدواوين وفرض العطاء سنة 20هـ وقد كثرت الاموال في عهده فأشير عليه أن يجعل ديواناً، فدعا عقيل بن ابي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، وقال: اكتبوا الناس على منازلهم، وابدأوا ببني عبد مناف ، وقد اعتبر هذا القرار سابقة في السياسة المالية الاسلامية. وكان أول مال وصل الخليفة من البحرين، نقله ابو هريرة، مبلغه سبعمائة ألف درهم .

وكان عمال عمر حين وفاته: سعد بن ابي وقاص على الكوفة، وقيل المغيرة، وابو موسى الاشعري على البصرة، وعمير بن سعد على حمص، ومعاوية بن ابي سفيان على بعض الشام، وعمرو بن العاص على مصر، وزياد بن لبيد البياض على بعض اليمن، وابو هريرة على عمان، ونافع بن الحارث على مكة، ويعلى بن منته التميمي على صنعاء والحارث بن ابي العاص الثقفي على البحرين، وعبد الله بن ابي ربيعة على الجند  وعلى فرج الكوفة وما فتح من أراضيها المثنى بن حارثة

وكان العلاء الحضرمي على البحرين، في خلافة ابي بكر، وشطراً من خلافة عمر، وقد عزله الاخير، وجعل قدامة بن مظعون مكانه، ثم عزل قدامة بسبب شربه للخمر ورد العلاء، وكان العلاء دخل في رهانات خطيرة لاثبات كفاءته العسكرية وجدارته في تولي المناصب العليا، ويبدو أن العلاء شعر بالانكسار النفسي بعد عزله عن منصبه، فخاض مغامرات مع سعد بن ابي وقاص، لاستعادة مكانته، فكان كلما عمل سعد عملاً اراد العلاء ان يعمل ما هو اعظم منه، فبينما أحرز العلاء تقدماً على سعد في تسوية ملف الردة، كانت القادسية انجازاً عظيماً طار بصيت سعد في الآفاق، فقد ازاح الاكاسرة عن حريم بلاد المسلمين، واخذ حدود ما يلي السواد، وهذا في الحسابات السياسية مكسباً ضخماً يفوق ما حققه العلاء في حروب الردة، الامر الذي أثار حفيظة العلاء وحفّز فيه روح المغامرة، وقرر الدخول في مقامرة عابثة، فأراد ان يصنع انتصارا مماثلاً على الفرس كالذي حققه سعد، ورغم رفض الخليفة عمر القاطع في شن أي حرب على الجبهة الشرقية، ناهراً العلاء بعدم الاقدام على خوض الحرب عن طريق البحر، الا أنه، ومن أجل اطفاء تلك النزعة الثائرة بداخله، أعلن التعبئة العامة، وندب أهل البحرين الى فارس، وفرقهم اجناداً، على أحدهما الجارود بن المعلى، وعلى الآخر السوار بن همام، وعلى الآخر خليد بن المنذر بن ساوى، وخليد على جماعة من الناس، فحملهم في البحر الى فارس بغير اذن الخليفة عمر، فعبرت تلك الجنود من البحرين الى فارس، فخرجوا في اصطخر وبازائهم اهل فارس، وعلى اهل فارس الهربذ، اجتمعوا عليه، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم.

فقام اخليد في الناس، وقال: اما بعد، فإن الله اذا قضى امراً جرت به المقادير حتى تصيبه، وان هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم الى حربهم، وانما جئتم لمحاربتهم، والسفن والارض لمن غلب، فاستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين.
فأجابوا الى ذلك فصلوا الظهر، ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالاً شديد في موضع يدعى طاوس، وجعل السوار يرتجز يومئذ ويذكر قومه، ويقول:
يا آل عبد القيس للقـراع                            قد حفل الامـداد بالجـراع
وكلهم في سنن المصـاع                          يحسن ضرب القوم بالقطاع
حتى قتل.
وجعل الجارود يرتجز ويقول:
لو كان شيئاً أمما أكلته                                              أو كان ماء سادماً جهرته
لكن بحراً جاءنا أنكرته
حتى قتل.
ويومئذ ولي عبد الله بن السوار والمنذر بن الجارود حياتهما الى أن ماتا.
وجعل خليد يومئذ يرتجز ويقول:
يال تميم اجمعوا النزول                           وكاد جيش عمر يزول
وكلكم يعلم ما أقول
ولكن بعد وصول الامدادات من المسلمين، فتح الله عليهم واصاب المسلمون من المشركين  ـ من فارس ـ ما شاء وأوهى الغزاة التي شرفت فيها نابتة البصرة، وكانوا افضل نوابت الامصار فكانوا افضل المصرين نابتة ثم انكفئوا بما أصابوا، وقد عهد اليهم عتبة، وكتب اليهم بالحث وقلة العرجة، فانضموا اليه بالبصرة، فخرج أهلها الى منازلهم، وتفرق الذين تنقذوا من اهل هجر الى  قبائلهم والذين تنقذوا من عبد القيس في موضع سوق البحرين .

وهناك ثمة وجه آخر للمعركة خاف بعض الشيء، فبعد أن قتل جيش المسلمين مقتلة عظيمة في جيش فارس خرج يريد البصرة فغرقت بهم سفنهم، ولم يجدوا الى الرجوع في البحر سبيلا، ووجدوا شهرك في اهل اصطخر قد اخذوا على المسلمين بالطرق، فعسكروا وامتنعوا من العدو. ولما بلغ عمر ما صنع العلاء بن الحضرمي اشتد غضبه عليه، وبعث اليه فعزله وتوعده، وأمر بأثقل الاشياء عليه، وأبغض الوجوه اليه فقال: الحق بسعد بن ابي وقاص (فيمج بمن معه نحو سعد) ثم كتب عمر الى عتبة بن غزوان يأمره بقيادة الناس واعلان التعبئة لانقاذ جيش المسلمين المحاصر في طاوس بقياد خليد بن المنذر بن ساوى، ونصب عمر قادة للجيش منهم هاشم بن ابي وقاص، وعاصم بن عمرو، والاحنف بن قيس، وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن في 12 ألف وعلى الجميع ابو سبره بن ابي رهم ففكوا الحصار عن جيش المسلمين وهزموا جيش فارس .

في سنة 12هـ خلف عمر، في حجته زيد بن ثابت على المدينة وكان هو عامله على مكة والطائف واليمن واليمامة والبحرين والشام ومصر والبصرة،  اما الكوفة فإن عامله عليها كان عمار بن ياسر وكان اليه الاحداث والى عبد الله بن مسعود بيت المال، والى عثمان بن حنيف الخراج، والى شريح فيما قيل القضاء .

في عام 13هـ ولى عثمان بن ابي العاص أرض البحرين، فلما بلغه فتح الاهواز سار بمن كان معه حتى أوغل في أرض فارس، فنزل مكاناً يسمى توج فصيره دار هجرة، وبنى مسجداً جامعاً، فكان يحارب أهل اردشير، حتى غلب على طائفة من أرضهم .

وفي نفس العام تولى عثمان بن عفان الخلافة، وقام بجمع القرآن وألفه، وصيّر الطوال مع الطوال والقصار مع القصار من السور، وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت ثم سلقها بالماء الحار والخل، وقيل أحرقها، فلم يبق مصحف الا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود.
وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفه الى عبد الله بن عامر، وكتب اليه عثمان: أن أشخصه، إنه لم يكن هذا الدين خبالاً وهذه الامة فساداً.

فدخل ـ ابن مسعود ـ المسجد وعثمان يخطب، فقال عثمان: انه قد قدمت عليكم دابة سوء، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فحز برجله حتى كسر له ضلعان، فتكلمت عائشة وقالت قولاً كثيراً، وبعث بها الى الامصار، وخصّ الخليفة منطقة البحرين بنسخة من المصحف، وأمر الناس ـ في المناطق التي وصلت اليها نسخ القرآن الذي جمعه عثمان ـ أن يقرؤوا على نسخة واحدة.
وكان سبب ذلك أنه بلغه أن الناس يقولون قرآن آل فلان، فأراد أن يكون نسخة واحدة، وقيل:إن ابن مسعود كان كتب بذلك اليه، فلما بلغه أنه يحرق المصاحف، قال: لم أرد هذا .

عمال عثمان على البحرين: في سنة 16هـ استعمل عثمان بن النعمان بن عجلان الزرقي، ومن ولاته عليها مروان بن الحكم .
 وبعد أن تولى الامام علي سنة 35هـ الخلافة، جاءه طلحة والزبير فقالا: انه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة، فأشركنا في أمرك؟ فقال: انتما شريكاي في القوة والاستقامة، وعوناً في العجز والأود.

وروى بعضهم أنه ولي طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين، فلما دفع اليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: وانما وصلتكما بولاية امر المسلمين. واسترد العهد منهما فعتبا من ذلك وقالا: آثرت علينا! فقال: لولا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي .

وكتب الامام علي (ع) الى عمر بن ابي سلمة المخزومي، وهو ابن ام سلمة زوج النبي (ص)، وكان عمر عامله على البحرين: أما بعد، فإني  قد وليت النعمان بن العجلان البحرين بلا ذم لك، فأقبل غير ظنين، وأخرج اليه من عمل ما وليت، فقد أردت الشخوص الى ظلمة أهل الشام وبقية الاحزاب، فأحببت أن تشهد معي لقاءهم، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين ونصر الهدى، جعلنا الله واياك من الذين يعملون بالحق وبه يعدلون .
فأقبل عمر وشهد مع الامام علي الحرب، ثم انصرف وتبع علياً الى الكوفة، فمكث معه ما يربو على السنة.
وهذه الرسالة بما تحتوي من تعبيرات وقرار اداري، يعكس اهمية عمر بن ابي سلمة ومكانته كما يعكس اهمية البحرين التي يجعل الامام علي عليها شخصاً مهماً مثل هذا الرجل الذي يستظهر الامام به في اقامة الدين.
عمال الامام علي: وكان من عماله ايضاً قدامة بن العجلان وفي سنة 40هـ كان عامله على البحرين وما يليها واليمن ومخاليفها عبيد الله بن العباس .

وقد عرفت البحرين بولائها الشديد للامام علي (ع)، فقد دانت بالطاعة له منذ تسلمه الخلافة، ومما يروى في كتب السيرة أن الامام علي (ع) بعث موفداً من قبله الى معاوية يقنعه ليدخل في طاعة امامه، ونبذ الشقاق والانشقاق والانصياع لحكم بني عمه، فانطلق الموفد وهو جرير بن همدان وجاء الشام ونزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه وقال:"اما بعد: يا معاوية، فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين، وأهل المصرين، وأهل الحجاز وأهل اليمن، وأهل مصر، وأهل العروض وعمان، وأهل البحرين واليمامة، فلم يبق الا أهل هذه الحصون التي أنت فيها .

بقي اهل البحرين من عبد القيس أولياء لأهل البيت النبوي وللامام علي (ع) كما ظهر ذلك في نصرتهم له في وقائعه، ومن رؤسائهم من شارك في قيادة جيوشه مثل ابناء صوحان العبدي: صعصعة وزيد وسيحان.
ونذكر هنا رشيد الهجري الذي كان يطلق عليه الامام علي رشيد البلايا، عدّه اليعقوبي في جملة الذي كانوا يحملون عن الامام علي العلم، وذكر اليعقوبي أنه: كان اصحاب علي الذين يحملون عنه العلم: الحارث الاعور، ابو الطفيل، عامر بن وائله، حبة العرني، رشيد الهجري، حويزة بن مسهر، الاصبغ بن نباته، ميثم التمار، الحسن بن علي .

وقد ابتلي رشيد الهجري في ولايته لامامه امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، وتحكي ابنته قنواء قصة شهادته المأساوية، تقول: سمعت أبي يقول: أخبرني امير المؤمنين (ع) فقال يا رشيد كيف اصبرك اذا ارسل اليك دعي بني امية فقطع يديك ورجليك ولسانك. قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك الجنة؟ فقال: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة. قالت: فوالله ما ذهبت الايام حتى ارسل الله عبيد الله بن زياد الدعي، فدعاه الى البراءة من امير المؤمنين (ع) فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟ قال له: أخبرني خليلي انك تدعوني الى البراءة منه فلا أبرأ فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال والله لأكذبن قوله فيك. قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت اطراف يديه ورجليه فقلت: يا أبت هل تجد ألماً لما أصابك؟ فقال: لا يا بنية الا كالزحام بين الناس. فلما احتملناه واخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فلم يزل يحدث الناس بفضائل اهل البيت وغيرهم فلما سمع عبيد الله بذلك ارسل الحجام فقطع لسانه، وما لبث ان مات رحمة الله عليه في ليلته .

لقد ناصرت عبد القيس علي بن ابي طالب (ع) في حوادث سنة 36هـ، وكان أبناء صوحان مبرزين في هذه الحوادث، فقد برز صعصعة وأخوه زيد بن صوحان ويدعى زيد الخير، قال عنه رسول الله (ص): إن من بعدي رجل يسبقه عضو من الجنة ثم يتبعه سائر جسده فقطعت يوم جلولاء وخرج مع علي (ع) يوم الجمل واستشهد. وقتل من عبد القيس في يوم الجمل سليمان بن صوحان وراشد بن سمرة وعبد الله بن رقبه .
لقد كتبت الاحداث التي اندلعت في عهد الامام علي (ع) وحمل عبد القيس الوية الحروب ضد خصوم الامام، تاريخاً جديداً للبحرين، حيث اكتست طابعاً شيعياً واضحاً، يقول ياقوت الحموي في (معجم البلدان) عن عمان: وأكثر اهلها في ايامنا خوارج اباضية ليس بها من غير هذا المذهب الا طارىء غريب وهم لا يخفون ذلك.

ثم قال :"وأهل البحرين بالقرب منهم بضدهم كلهم روافض..وليس عندهم من يخالف هذا المذهب الا ان يكون غريباً" .
وجاء في (معجم القبائل ص 728) :"وأهل البحرين كلهم شيعي امامي"، وكان من عظمائهم وشيوخ القبائل مسمع بن عبد الملك الذي روى عن الامام الصادق (ع) كثيراً وهو من المحدثين الامامية، ومنهم ايضاً خيثمة بن عدي الهجري الكوفي  ومحمد بن المشمعل الهجري الكوفي  والوليد بن عروة الهجري .

واستمر ولاء عبد القيس لأهل البيت (ع)، ومما يروى أن علباء بن دراع الاسدي تولى البحرين ايام بني امية، ولكنه كان شيعياً وقد أفاد سبعين الف دينار ودواب ورقيقاً، وحمل ذلك ووضعه بين يدي الامام جعفر الصادق ابي عبد الله (ع) وقال: إني وليت البحرين لبني امية، وأفدت كذا وكذا، وقد حملته كله اليك، وعلمت ان الله عز وجل لم يجعل لهم من ذلك شيئاً.." فأخذه ابو عبد الله (ع) ثم وهبه اياه مرة اخرى .
وفي العهد العباسي، حيث كان للبحرين موقف صلب ضد الخلافة العباسية التي نظروا اليها بوصفها مشروع قرصنة ومصادرة لحق أهل البيت برفعهم شعار (الرضا من آل محمد)، ولذلك ناهضوا العباسيين، وتعاطفوا مع العلويين، وهذا ما كان سبباً للجوء بعضهم الى البحرين.
 
البحرين: والانفراج الاقتصادي للمسلمين
 
اشتهرت البحرين بثرائها الفاحش، ورفاهها المعيشي، حتى اعتبر ذلك من سمات البحرين ومميزاتها، وكان امرؤ القيس يصف مدينة جواثا في بيت من الشعر يقول فيه:
ورحنا كأنا من جواثى عشية                    نعالى النعاج بين عدل ومشنق
يعني كأنا من تجار جواثى لكثرة ما معهم من الصيد، وأراد كثرة أمتعة تجار جواثى بين عدل: أي معدول في إعدال، ومشنق: أي معلق .
ونفهم من كلام معاوية لصعصعة بن صوحان العبدي وجماعته (فلا يبطرنكم الانعام)، كإشارة مفيدة الى الحال المعيشية التي كان عليها أهل البحرين من أفراد عبد القيس، وهي بلا شك اشارة ذات مغزى، فالاحوال المعيشية لم تكن في مستوى معتدل فحسب، بل بلغت مستويات عليا الى حد كان معاوية عاجزاً عن استمالتهم نحو الخليفة أي كسب ولاءهم السياسي، هذه صورة.
وهناك صورة اخرى عن مجتمع آخر ـ مجتمع المسلمين الاوائل في مكة المكرمة، ينقلها الامام علي (ع) في خطبة له أمام جمع من المهاجرين والانصار في أول يوم من البيعة لعثمان بن عفان حيث قال علي:"..ونحن معاشر العرب، أضيق العرب معاشا، وأخشنهم رياشا، جل طعامنا الهبيد، وجل لباسنا الوبر والجلود.." .


 وجاء في خطبة للسيدة فاطمة الزهراء (ع) أمام جمع من الصحابة في المسجد بعد رحيل ابيها رسول الله (ص)، ما نصه:"..وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، نهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطىء الاقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد (والورق) اذلة خاسئين تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله.." .


في هذا المقطع من الخطبة تكشف الزهراء (ع) عن حقيقة الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمجتمع العربي في مكة قبل بعثة الرسول (ص)، حيث تصف واقعهم البائس، بأنهم اصبحوا موطىء الاقدام تعبيراً عن الاستضعاف والمغلوبية والمذلة، وليس من مشرب لهم سوى الطرق وهو الماء المتجمع من ماء المطر فتبول فيه الابل وتبعر، وهو يشبه مياه المستنقعات الآسنة. وليس من مأكل لهم سوى القد والورق، والقد بكسر القاف وتشديد الدال، هو الجلد غير المدبوغ، بمعنى أن طعامهم كان من الجلد واللحم اليابس المقدد اضافة الى أوراق الشجر.

لقد كان افراد هذا المجتمع يعانون النبذ والخسة والاحتقار بسبب وضاعة المعيشة وضنك الحياة، وفوق هذا يعيشون الرعب المتصل وانعدام الامن، فكانوا يتوقعون الغيلة والعدوان في كل لحظة، تبعاً لعادة الغزو المتبعة في الحياة الجاهلية وما تثيره الصراعات القبلية، وطبيعي أن يؤول الغزو الى كل انواع القتل والسلب والنهب والاعتداء، وهم سادرون في تخلفهم، متقعرون في فقرهم وفاقتهم.

فلما انطلقت دعوة الاسلام، وبعث نبي الهدى محمد (ص) وصدع بتبليغ رسالته، وبعث بالرسائل والمكاتيب الى الملوك ورؤوساء الاقاليم والشعوب الاخرى يدعوها للدخول في الاسلام، ولبى كثير منها الدعوة، بدأت الاوضاع المعيشية للمسلمين في الحجاز تشهد تغيراً جوهرياً، لجهة انفراج اقتصادي ومعيشي ملحوظ، وقد لعبت أموال البحرين دوراً مركزياً في تحسن الاوضاع الاقتصادية والمعيشية لمسلمي الحجاز، حتى لقد باتوا يترقبون قدوم مال البحرين، لتسوية مشكلاتهم المادية، الفردية والجماعية سواء بسواء.
فلما دخل اهل البحرين الاسلام، وجعل عليهم رسول الله (ص) العلاء بعث ابا عبيدة يأتي بصدقاتها، فقدم بمال البحرين فسمعت الانصار بقدومه فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله (ص) فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله (ص) وقال: أظنكم سمعتم أن ابا عبيدة قدم بشيء، قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالذي نفسي بيده ما الفقر اخشى عليكم، ولكن اخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" .

وكان قدم على رسول الله (ص) بمال البحرين، وهو ثمانون الف درهم، وجّه به العلاء بن عبد الله بن ضماد الحضرمي "وهو أول مال حمل الى المدينة" حسب المسعودي ، ففرقه رسول الله (ص) على الناس.
وكان من ضخامة مال البحرين، ما أحدث اختلالاً نفسياً واثار مطامع القوم، وكأنهم أمام كنز لم يحلموا به، ومما يروى أنه اتى النبي (ص) بمال من البحرين فقال:"انثروه في المسجد" فكان اكثر مال أتى به رسول الله (ص) اذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله أعطني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً فقال: "خذ" فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال مر بعضهم يرفعه الي. قال (ص): "لا" قال فارفعه انت علي، قال (ص):"لا" فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يستطع وأعاد الطلب كرة اخرى، ثم نثر منه واحتمله على كاهله، فانطلق..فما قام رسول الله (ص) من مكانه وثم منها درهما .
ومما يروى أيضاً : يقول محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال لي رسول الله (ص):"لو قد جاء مال البحرين لقد اعطيتك هكذا وهكذا وهكذا" ثلاثاً فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله (ص) .

وتخبرنا مصادر تاريخية عدة، أن البحرين بثرائها ورفاهها كانت مصدر اثراء واغراء، بل استعملت خيراتها وثرواتها كعامل احتواء واستقطاب، لحديثي العهد بالاسلام، فقد كان فرات بن حبان بن ثعلبة الربعي البكري ثم العجلي حليف بني سهم، دليل عير قريش، فأسرته سرية زيد بن حارثة حين اصابوا العير، فلم يقتله رسول الله (ص) فأسلم وحسن اسلامه. وفي الاصابة:أنه (ص) قطع له ارضاً بالبحرين ، واعتبرت هذه الارض مكافأة له على اسلامه، وطمعاً في استقامته.

بل استخدمت البحرين للمساومة، وقد خرج الزبرقان والاقرع من زعماء بني تميم، وقد اسلما في عام الفتح الى ابي بكر، في حوادث الردة وقالا: اجعل لنا خراج البحرين ونضمن لك الا يرجع من قومنا احد ففعل وكتب الكتاب .
إن التغيير المعيشي الذي احدثه مال البحرين في أحوال المسلمين، أغرى بعضهم حتى زعم بأن الرسول (ص) قد اقطعه له من خراج البحرين ومالياتها واقطاعاتها، فهذا العباس بن عبد المطلب يدعى عند الخليفة عمر ان رسول الله (ص) اقطع له البحرين، وشهّد بذلك المغيرة فلم يقبل منه عمر .

وروى بعضهم: أن المغيرة بن شعبه قال للامام علي: يا أمير المؤمنين انفذ طلحة الى اليمن والزبير الى البحرين، واكتب بعهد معاوية الى الشام، فاذا استقامت الامور فشأنك وما تريده فيهم! فأجابه في ذلك جواباً فقال المغيرة: والله ما نصحت له قبلها، ولا انصح له بعدها .
وبالرغم من التغييرات الجوهرية التي حصلت في الخارطة الجيوبوليتيكية الاسلامية مع انتقال ثقل الدولة ومركزها من الحجاز (الخلفاء الثلاثة) ثم الى العراق ـ الكوفة (الامام علي ) ثم الى الشام (الدولة الاموية) واخيراً الى العراق (الدولة العباسية) وما رافق ذلك من ظهور مصادر مالية جديدة لدول المسلمين الا أن ذلك لم يكن يلغي تماماً اهمية البحرين الاقتصادية، فقد ظلت تحتفظ بكونها محل اغراء وترغيب بالنسبة للكثيرين حتى في أزمنة متأخرة، ففي سنة 247هـ،  وهي السنة التي قتل فيها المتوكل، ذكر مروان بن ابي الجنوب ابي السمط، أنه قال: أنشدت امير المؤمنين فيه شعراً، وذكرت الرافضة فيه، فعقد لي على البحرين واليمامة، وخلع علي أربع خلع في دار العامة، وخلع على المنتصر وأمر لي بثلاثة آلاف دينار، فنثرت على رأسي، وأمر ابنه المنتصر وسعداً الايتاخي يلقطانها لي، ولا أمس منها شيئاً فجمعاها، فانصرفت بها . 

البحرين: امتحان معنوي للصحابة

اعتاد الصحابة وجيل المسلمين الاول خوض التحدي العسكري، كما ألفوا المعارك والحروب مع اعتى القوى السائدة حينذاك، ولكن لم يعتد الصحابة خوض التحدي مع الذات، ومنازلة النفس في ميولها ونزوعها نحو الاثرة والشر والسوء هذا من جهة. من جهة ثانية، لم يكن المسلمون، وهم حديثو عهد بالاسلام قادرين على الانتقال الفوري من حياة الضنك ومحنة المعيشة وضيقها الى حالة الاسترخاء المعيشي والرفاه المفرط، والذي ربما لم يعرفه حتى اثرياء قريش، ولذلك كانت البحرين برخائها المادي وبسطة الرفاه المعيشي في مستوياته العليا، بمثابة صدمة لكل من عاش في البحرين من ولاة وعمال الدولة الاسلامية، الامر الذي أدى الى اقتراف كثير منهم لمحظورات شرعية، وفيهم من فيهم من اهل الثقة والصحابة وممن شهد بدر ومن نال شرف الرواية والصحبة لرسول الله (ص).

ورغم أن العلاء الحضرمي كان حسن السيرة في  ولايته ايام الرسول (ص) والخليفة الاول ابي بكر ولم يصدر منه ما يخدش سيرته، الا أن التاريخ سجّل عليه إبان ولايته على البحرين في عهد الخليفة عمر، ما يقدح في سياسته، والتي كلّفت البحرين المال والارواح بصورة طائلة، بفعل تلك المجازفة الانفرادية غير المدروسة، حين استقل بقرار الحرب ضد فارس دون إذن من الخليفة،  وبخلاف رغبته وارادته، وكاد أن يهلك المسلمون في هذه الحرب لولا أن تداركته الامدادات القادمة من البصرة.

وسيذهل المرء حين يماط اللثام عن خلفية القرار الانفرادي الذي اتخذه العلاء، وهو كسب الرهان قبالة سعد بن ابي وقاص الذي طار صيته في الافاق بفعل انتصاره في معركة القادسية، فأراد العلاء أن يحقق انتصاراً آخر يحسب من ورائه نقاط جديدة في مراهنته مع سعد.
ورغم أن لا دلائل تشير الى أن العلاء في تجريده الجيوش وركوبه البحر لمحاربة فارس كان للاحتفاظ بالبحرين تحت ولايته، ولكن المؤكّد أن ما جرى كان قراراً عسكرياً خاطئاً دفع  أهالي البحرين ثمنه الباهظ، من خيراتهم وأرواحهم.

عزل الخليفة عمر العلاء من منصبه، وجعل مكانه قدامة بن مظعون، وكان ممن شهد بدراً، وكانت البحرين بالنسبة له امتحاناً قاسياً، فقد هيأ له المنصب والمكان ـ النائي عن موقع السلطة المركزية والخليفة وعيون الاصحاب والمعارف ظرفاً اغوائياً ضاغطاً، امتحنت فيه ارادة بن مظعون، واختبر فيه إيمانه بمعزل عن الجو الديني الذي كان يحيط به في المدينة وبين ظهراني الصحابة.

يقول الخليفة عمر (رض): ما حابيت أحداً من أهلي الا النعمان بن عدي وقدامة بن مظعون فما بورك لي فيهما، وكان ولي قدامة البحرين، فأتاه الجارود العبدي فقال: يا أمير المؤمنين استعملت علينا رجلاً يشرب الخمر؟ فقال الخليفة: تقول هذا في رجل من اهل بدر؟ من يشهد معك؟ قال ابو هريرة. قال الخليفة: لقد هممت أن أضرب أبا هريرة. فقال الجارود: اللهم غفراً. يشرب ختنك وتضرب ختني وكان ابو هريرة ختن الجارود، وقدامة خال عبد الله وحفصة ابني عمر، وصمم الجارود واصحابه في الشهادة، فجلد عمر قدامة ثمانين، بسوط تام .

وانتهت سيرة قدامة وولايته في البحرين بهذه الحادثة، حيث قرر الخليفة عزله عن منصبه، وفي هذه السنة أيضاً استعمل الخليفة عمر ابا هريرة على البحرين واليمامة ، فخاض ابو هريرة تحدياً مماثلاً، فقد تحولت البحرين بالنسبة له وفي ظل هذا المنصب وسيلة للاثراء والاكتناز، ففي ولاية ابي هريرة على البحرين، قدم على الخليفة عمر فقال الخليفة له: يا عدو الله وعدو رسوله سرقت مال الله؟ فقال: لست بعدو لله وعدو رسوله ولكني عدو من عاداهما، ما سرقت ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل فأخذ منه عشرة آلاف درهماً فألقاها في بيت المال  وفي رواية ابن كثير: استعمل عمر ابا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف، فقال عمر: استأثرت بهذه الاموال ، أي عدو الله وعدو كتابه؟ فقال ابو هريرة: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكن عدو من عاداهما. فقال من اين هي لك؟ قال: خيل نتجت، وغلة، ورقيق لي، وأعطية تتابعت علي .

ولعل من المفارقات المثيرة، أن قدامة بن مظعون وابا هريرة قدما الى البحرين في عهد الرسول (ص) في مهمة رسمية الى المنذر بن ساوى حملا فيها رسالة اليه تطلب منه تسليمهما جزية ارضه اليهما، في وقت كان العلاء على البحرين ـ مسئولاً عن الشؤون الدينية.
ولم يذكر التاريخ شيئاً عن مخالفات وقعت في عهد الخليفة عثمان رغم صعوبة الوثوق في ولاتها وبخاصة مروان بن الحكم، الا أن المرجح هو اهمال السلطة المركزية للبحرين في هذه الفترة، وهناك اشارات الى أن البحرين كانت غير راضية عن سياسة الخليفة عثمان (رض)، كما يشير الى ذلك حديث معاوية مع وفد عبد القيس برئاسة صعصعة بن صوحان الى الشام في ولاية معاوية، حيث جاء في حديثه ما نصه:
"ان الشيطان عنكم غير غافل، قد عرفكم بالشر من بين امتكم ، فأغرى بكم الناس، وهو صارعكم.

لقد علم انه لا يستيطع ان يرد بكم قضاء قضاه الله، ولا أمراً اراده الله ولا تدركون بالشر أمراً أبداً الا فتح الله عليكم شراً منه وأخزى".
اعرب صعصعة وصحابته عن استنكارهم الصارخ لما جاء في كلام معاوية، وختم الاخير خطابه وقال:"إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا والله لا ينفع الله بكم أحداً ولا نصره، ولا أنتم رجال منفعة ولا مضرة، ولكنم رجال نكير.
وبعد، فإن اردتم النجاة فالزموا جماعتكم، وليسعكم ما وسع الدهماء، ولا يبطرنكم الانعام، فإن البطر لا يعتري الخيار، إذهبوا حيث شئتم، فإني كاتب الى أمير المؤمنين قبلكم .

فوصف معاوية لصعصعة وصحابته بأنهم "رجال نكير" اشارة الى كونهم من المعارضين لحكم الخليفة الثالث، كما يفهم من فحوى خطاب معاوية، وكان يريد التحفظ عليهم للحيلولة دون اتساع رقعة الاحتجاج السياسي ضد الخلافة، ولكنه قرر اطلاق سراحهم لنفس السبب.
ومهما يكن من امر، فبسبب تراخي مركز الخلافة ونشوب الخلافات واضطراب الاوضاع الداخلية التي اثرت بشكل كبير على سير امور الدولة، انعكس ذلك على سياساتها مع المناطق الاخرى.

اما في عهد الامام علي، فقد روى أن النعمان بن عجلان بن النعمان بن عامر بن زريق الانصاري، وكان لسان الانصار وشاعرهم على البحرين فجعل يعطي كل من جاءه من بني زريق، فقال فيه الشاعر ابو الاسود الدؤلي:

أرى فتنة قد ألهت الناس عنكم                  فندلا زريق المال ندل الثعالب
فان ابن عجلان الذي قد علمتم                  يبدد مال الله فعل المناهـب

فقد تكشفت ولاية النعمان بن العجلان عن فساد مالي واداري، فقد سرق اموال البحرين، وبلغ ذلك الامام علي فكتب اليه: أما بعد، فإنه استهان بالامانة ورغب بالخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه، أضل بنفسه في الدنيا وما يشفي عليه بعد أمر واشقى واطول، فخف الله ! إنك من عشيرة ذات صلاح، فكن عند صالح الظن بك، وراجع، إن كان حقاً ما بلغني عنك، ولا تقلبن رأيي فيك، واستنظف خراجك، ثم اكتب الي ليأتيك رأيي وأمري ان شاء الله.
فلما جاء كتاب علي وعلم أنه قد علم حمل المال، لحق معاوية  

البحرين.. المنفى!

حين تغيرت عاصمة الدولة الاسلامية وانتقلت من المدينة الى الكوفة، ثم الشام تغيرت مراكز الاستقطاب وخصوصاً في ظل اتساع خارطة الدولة الاسلامية بفعل الفتوحات العسكرية التي حققها المسلمون منذ عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وتدريجياً اصبحت البحرين من المناطق النائية.
ولعلنا نفيد من كلمة عمار بن ياسر في حرب صفين: "والله إنهم لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وإنهم على الباطل"  أن البحرين صارت منطقة نائية، بالنسبة للاستقطاب السياسي والعسكري البشري الاسلامي، بمعنى اصبحت في اطراف الدولة الاسلامية مما جعل الاهتمام بها قليلاً ولذلك كانت دائماً موئلاً للمعارضة وللمنفيين.

وهناك نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، وهي عملية التغيير الديمغرافي والجيوبوليتيكي التي قام بها معاوية بن ابي سفيان من اجل اعادة مركزة السلطة وضبطها ضمن التحولات السياسية الجديدة التي بدأت بقيام الدولة السلالية الاموية، والتي لم تعد صورة الخلافة تحتفظ بنقاوتها وعناصرها التقليدية، ايذاناً ببداية الملك العضوض الذي شهد بدايته المبكرة على يد معاوية ـ مؤسس الدولة الوراثية السلالية في الاسلام، وكان من سياساته الديمغرافية بعد أن ملك زمام اهل العراق بعد الامام علي (ع) يُخرج من الكوفة المستغرب في أمر علي (ع)، وينزل داره المستغرب في امر نفسه من اهل الشام وأهل البصرة واهل الجزيرة، وهم الذين يقال لهم النواقل في الامصار، فأخرج من الكوفة قعقاع بن عمرو بن مالك الى ايليا بفلسطين، فطلب اليه ان ينزل منازل أبيه بني عقفان وينقلهم الى بني تميم، فنقلهم من الجزيرة الى الكوفة، وأنزلهم منازل القعقاع وبني ابيه، وجاءت معهم وحسن اسلامها.


بكلام آخر، حاول معاوية تغيير ميزان القوى بعد استيلائه على الخلافة وتحديداً بعد انتزاعه الخلافة من الامام الحسن (ع) بعد اجراء معاهدة الصلح عام 41هـ، ففي تدبير اداري ومالي أخذ معاوية اصفهان من اهل البصرة ودفعها الى اهل الكوفة، وأخذ البحرين وعمان من اهل الحجاز فأعطاها اهل البصرة مكان اصبهان .

هذه التدابير في مجملها ساهمت في ازاحة البحرين عن موقعها الاستراتيجي ونقلت الاستقطاب الى مواقع اخرى تبعاً للتبدلات الجوهرية في مراكز الاستقطاب السياسي. وفي الواقع يخفي لنا التاريخ موقفاً اموياً من البحرين قبل وصول معاوية الى السلطة، تنبيء عنه مجريات لقاء وفد عبد القيس مع معاوية في عهد الخليفة الثالث، والذي افضى الى اقصاء البحرين الى اطراف الدولة الاسلامية بعد أن كانت مرشحة لأن تحتل موقعاً مركزياً فيها. 

فحينما قدم وفد البحرين برئاسة صعصعة بن صوحان على معاوية في عهد الخليفة الثالث، خاطبهم بخطاب شديد اللهجة، مشحوناً بالقسوة والغلظة والمغالطة، وخاطب صعصعة قائلاً:
"فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية، أنتنها نبتاً، وأعمقها وادياً، وأعرفها بالشر، وألأمها جيراناً لم يسكنها شريف قط، ولا وضيع الا سب بها، وكانت عليه هجنة، ثم كانوا اقبح العرب ألقاباً، وألأمه أصهاراً، نزاع الأمم، وأنتم جيران الخط وفعله فارس، حتى أصابتكم دعوة النبي (ص) ونكبتك دعوته، وأنت نزيع شطير في عمان، لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي (ص) فأنت شر قومك، حتى اذا أبرزك الاسلام، وخلطك بالناس، وحملك على الامم التي كانت عليك، أقبلت تبغي دين الله عوجاً، وتنزع الى اللامة والذلة.."
وبصرف النظر عن الهنات والمغالطات الكبيرة التي تضمنها حديث معاوية بما يخالف ما ورد عن الرسول (ص) في حق أهل هذه المنطقة، الا أن ما يهمنا هنا أن البحرين بعد نشوء مراكز استقطاب جديدة توارت البحرين سياسياً  حتى تحولت الى منفى، وقد لعب عاملان رئيسيان دوراً في تثبيت هذه الصفة فيها:

الاول : تنوع مصادر الدخل وانكسار احتكارية البحرين المالية: صار ثابتاً منذ بداية الدولة الاموية، تنوع وتعدد مصادر دخل الدولة، فلم تعد البحرين هي المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لدولة المسلمين، وانما وجدت مصادر اخرى جديدة اكثر ثراءً، فقد كان الوضع المالي مختلفاً في زمن معاوية، اذ كان خراج العراق بالاضافة الى ما كان في مملكة فارس في ايام معاوية ستمائة الف الف وخمسة وخمسين ألف ألف درهم، وخراج السواد مائة الف الف وعشرين الف الف درهم، وخراج فارس سبعين الف الف، وخراج الاهواز وما يضاف اليها اربعين الف الف، أما  خراج اليمامة والبحرين فكان خمسة عشر الف الف درهم..

الثاني: مشايعة الامام علي ومناوئة خصومه: بات ثابتاً ايضاً، أن البحرين اصبحت من المناطق الموالية للامام علي (ع) وظهر ذلك بجلاء في حروبه الثلاثة، وقد اثبت أهل البحرين أنهم شديدو الولاء لأهل البيت النبوي وللامام علي (ع)، ولهذا كان الاجتهاد في تحصيل ولاء اهلها عملاً عابثاً ومضنياً.

هذان السببان الرئيسيان، في تقديري، جعلا من البحرين منطقة مهملة سياسياً وخارج اهتمام مؤسسة الخلافة، مما اضفى عليها شكلاً من اشكال التعتيم، الامر الذي انعكس على تأريخها، وتوثيق الاحداث التاريخية والثقافية التي جرت على ساحتها، وخصوصاً أن الاهمال استقام حتى في العصور الللاحقة.

لقد أحيلت البحرين الى منفى للمعارضين لحكم بني امية، واذا صحت نسبة موطن صعصعة الى الكوفة فإنه يأتي في طليعة المنفيين، وبحسب هذه الرواية فإن صعصعة بن صوحان العبدي ـ وكان من سادات عبد القيس من اهل الكوفة، واشتهر ببلاغته وملكته الخطابة المتميزة، وله مع معاوية مواقف، شهد صفين مع علي (ع)، وكان موفداً الى خصوم الامام علي، ارسله الى الخوارج لمخاصمتهم وثنيهم عن القتال، نفاه المغيرة من الكوفة الى جزيرة اوال في البحرين بأمر معاوية فمات فيها سنة 60هـ .
وهناك حالات مماثلة جرت في زمان الدولة العباسية، منها ما جرى في سنة 244هـ حيث غضب المتوكل العباسي على بختيشوع، طبيب المتوكل  وقبض ماله ونفاه الى البحرين ، فقال اعرابي:
 
يا سخطة جاءت على مقدار                      ثار له الليث على اقتـدار
منـه وبختيشوع في اغترار                      لما سعى بالسادة الاقمـار
بالأمـراء القـادة الابـرار                            ولاة عهد السيد المختـار
وبالموالـي وبني الاحـرار                        رمى به في موحش القفار
بساحل البحرين للصغار  

البحرين موئل قادة الاحتجاج السياسي

لعبا عاملا: الجغرافيا والمذهب في تحويل البحرين الى حاضنة للحركات الاحتجاجية داخل دولتي بني امية وبني العباس، فبعد البحرين عن مركز الخلافة، ومشايعة أهلها لآل البيت النبوي (ع) وهبها فرصة كيما تتحول الى ملجأ لقادة المعارضة والمناوئين للسلطة المركزية، بل كانت البحرين من المناطق التي ظلت مرشحة لأن تكون جزءا من مناطق التمرد التي يراد منها أن تتحول الى المساحة السياسية القابلة لأن تستوعب في مساحة الدولة المراد اقامتها كما جرى في حركة ابن الزبير، فمما يروى أنه لما قوى امر عبد الله بن الزبير، واعطاه أهل الكوفة الطاعة، وولى عليها عبد الله بن مطيع العدوي، وجّه أخاه مصعب بن الزبير الى البصرة، وأمر عبد الله بن مطيع بمكاتبته، ثم وجّه عماله الى اليمن والبحرين وعمان وسائر الحجاز .

بل قد نجد صراعاً بين قادة المعارضة انفسهم على الاحتفاظ بالبحرين ضمن مناطق نفوذهم، ففي عام 71هـ تحول ابو فديك عبد الله بن ثور بن قيس بن ثعلبة الى البحرين، فوجّه اليه مصعب بن الزبير عبد الرحمن بن الاسكاف فالتقوا بجواثا، فانهزم عبد الرحمن واهل البصرة .
أما كون البحرين حاضنة لحركات الاحتجاج السياسي والتمرد الداخلي، فهناك من النماذج ما يؤكد هذه الحقيقة التاريخية الثابتة، فقد خرج نجدة بن عامر الحنفي الحروري في ايام مصعب بن الزبير بناحية اليمامة ثم صار الى الطائف فوجد ابنة لعمرو بن عثمان بن عفان قد وقعت في السبيء فاشتراها من ماله بمائة الف درهم، وبعث بها الى عبد الملك ثم سار الى البحرين ووجه مصعب بن الزبير بخيل بعد خيل وجيش بعد جيش فهزمهم.

وفي سنة 72هـ، خرج ابو فديك الخارجي وهو من بني قيس ابن ثعلبة فغلب على البحرين، وقتل نجدة بن عامر الحنفي وفي سنة 73هـ تقابل جيش عبد الملك بن مروان المؤلف من عشرة آلاف من الكوفة وعشرة آلاف من البصرة والتحموا مع جيش ابي فديك وكاد جيش عبد الملك ان تنزل به هزيمة ماحقة، وبخاصة عقب فرار جيش البصرة، ولكن صمود جيش الكوفة حمّسهم، فتذمموا بجيش الكوفة وحملوا حملة مشتركة حتى استباحوا عسكر ابي فديك التي كان فيها مقتله، وحصروهم في المشقر فنزلوا على الحكم وقتلوا منهم نحواً من 6 آلاف وأسر ثمانمائة .
كانت للامويين صولات وجولات ناحية البحرين التي عبروا منها الى فارس أو عملوا على احتوائها داخل دولتهم، وكان للامويين عليها من الولاة البارزين الاقوياء، الا أن سلطانهم السياسي لم يتوفر على الاستقرار في البحرين، لتشيع اهلها وولائهم لآل البيت النبوي (ع)، ولبعد البحرين عن مركز الخلافة، كما يقرر هذه الحقيقة ايضاً علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر .

وفي سنة 79هـ، ولي الحجاج محمد بن صعصعة الكلابي البحرين، وضم اليه عمان، وعزل زياد بن الربيع الحارثي، فولي محمد بن صعصعة عبد الملك بن عبد الله بن ابي رجاء العوذي صاحب قصر ابي رجاء بناحية البصرة، فخرج عليهم الريان التكري بقرية يقال لها طاب من الخط بالبحرين، وقدم عليه ميمون الحروري من عمان فانهزم عبد الملك، وهرب محمد بن صعصعة، فركب البحر فقدم على الحجاج، وقد كان الحجاج بعث يزيد بن ابي كبيشه ممداً لمحمد بن صعصعة فهرب محمد قبل ان يقدم عليه يزيد بن ابي كبيشه .

وفي سنة 80هـ: لقي يزيد بن ابي كبيشه الريان النكري بالبحرين ومع الريان امرأة من الأزد يقال لها جيداء، فالتقوا بميدان الزارة، فقتل الريان، وجيداء وعامة اصحاب الريان، ثم قفل زيد راجعاً . وولى الحجاج قطن بن زياد بن الربيع الحارثي البحرين، فخرج عليه داود بن عامر بن الحارث فقتل داود .

وفي سنة 96: جمع سليمان بن عبد الملك العراق ليزيد بن المهلب بن ابي صفرة وولي الخراج صالح بن عبد الرحمن. وفيها ـ أي هذه السنة ـ ولي يزيد بن المهلب الاشعث بن عبد الله بن الجارود البحرين، فخرج عليه مسعود بن ابي زينب المحاربي فانحاز الاشعث وضبط مسعود البحرين، وهي نفس السنة التي قتل فيها قتيبة بن مسلم بخراسان .

وفي سنة 103هـ: في ولاية ابي هبيرة على العراق، خرج مسعود بن ابي زينب فغلب على البحرين واليمامة، فقتل سفيان بن عمرو العقيلي .
 كما خاض العباسيون فيها المعارك ولحق بأهل البحرين الاذى من الخلافة وعمالها..اضافة الى الاذى الذي يلحق بالاهالي بفعل تراخي السلطة المركزية وتهافتها، الامر الذي اعطى للولاة المحليين فرصة ممارسة دور الخليفة والحاكم المستبد والشمولي في المناطق الخاضعة لنفوذه، والتي يقصر فيها ذراع السلطة المركزية.

ففي سنة 151هـ أي في عهد المنصور العباسي، شخص عقبة بن سلم من البصرة واستخلف عليها ابنه نافع بن عقبه الى البحرين، فقتل سليمان بن حكيم العبدي وسبى اهل البحرين، وبعث ببعض من سبى منهم وأسارى منهم الى ابي جعفر المنصور، فقتل منهم عدة، ووهب بقيتهم للمهدي (ابن المنصور) .

ثم عزل المنصور ـ  في نفس العام ـ عقبة بن سلم عن البصرة، ونقل جارية اسد بن المرزبان: أن المنصور بعث أسد بن المرزبان الى عقبة بن سلم الى البحرين حين قتل منهم من قتل، ينظر في أمره، فمايله ولم يستقص عليه، وروى عنه، فبلغ ذلك أبا جعفر، وبلغه أنه أخذ منه مالاً ، فبعث اليه ابا سويد الخراساني، وكان صديق اسد وأخاه، فلما رآه مقبلاً على البريد فرح، ولكنه قطّع اطرافه واحداً تلو الاخر وبدأ باليدين ثم الرجلين، ثم قال له: مدّ عنقك فمد فضرب عنقه .

وفي سنة 157هـ بنى المنصور قصره على شاطىء دجله وأطلق عليه اسم "الخلد"! وفي هذه السنة ولي المنصور جعفر بن سليمان على البحرين، فلم يتم ولايته، ووجه مكانه اميراً عليها سعيد بن دعلج، فبعث سعيد ابنه تميماً عليها .
وفي سنة 160هـ كان على البحرين محمد بن سليمان (وكان على الصلاة في البصرة فيما بعد) واستمر حتى 163هـ. وفي سنة 164 تولى صالح بن داود بن علي، وفي سنة 165هـ كان عليها المعلى مولى المهدي، وفي سنة 169هـ، تولى عليها سويد بن ابي سويد القائد الخراساني، وفي سنة 170 تولى عليها محمد بن سليمان بن علي، وفي الواقع لم يسجل التاريخ حوادث تذكر خلال الثلاثة العقود الواقعة بين 160 و190هـ.
وفي سنة 190هـ تفجرت ثورة سيف بن بكير العبدي، ضد الحكم العباسي، ولكن ما لبثت ان اخمدت بعد ان ارسل اليه الرشيد محمد بن يزيد فقتله. 

حركة الزنج

بدأت ارهاصات حركة احتجاجية واسعة ومنظمة وقوية في الفترة الواقعة بين 249 ـ 270هـ، وكانت بداياتها إبان خلافة المعتز العباسي، والذي عقد لمحمد بن أبي عون لواء البصرة واليمامة والبحرين.

فقد ذكرت كتب السيرة أنه في سنة 255هـ، ظهر رجل في البصرة من البيت العلوي اسمه: علي بن محمد بن احمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن ابي طالب، وجمع اليه الزنج وغبره بهم دجلة فنزل الديناري.
نسبه في عبد القيس، فجده محمد بن حكيم من اهل الكوفة، أحد الخارجين على هشام بن عبد الملك مع زيد بن علي بن الحسين، وابوه عبد الرحيم رجل من عبد القيس. وقد شخص علي بن محمد من سامراء سنة 249هـ الى البحرين، وقدّم نفسه الى أهلها "ودعا الناس بهجر الى طاعته، واتبعه جماعة كثيرة من أهلها" كما يقول الطبري ثم جرت معارك بين مؤيدي حركته ومعارضيها، فاضطر للانتقال الى الاحساء فكان مقامه في حي بني تميم ثم من بني سعد، يقال لهم بنو الشماسي.

وكان أهل البحرين اعربوا عن تعاطفهم ومآزرتهم لحركة هذا الرجل العلوي لقرابته من رسول الله (ص) وأهل بيته، كما عاهدوه على السمع والطاعة وأمدوه بالمال والرجال، ولما انتقل الى البادية سنة 255هـ صحبه من اهل البحرين بعض الرجال منهم تاجر من اهل هجر يدعى يحي بن محمد بن الأزرق المعروف بالبحراني، وبعض موالي بني حنظلة . 

حركة القرامطة

 هم فرقة من الشيعة الاسماعيلية المباركية، قالوا بأن الامام بعد جعفر الصادق (ع) هو محمد بن اسماعيل بن جعفر وهو الامام القائم المهدي، وهو رسول حي لم يمت وانه في بلاد الروم وانه من اولي العزم، أنشأوا دولتهم في البحرين ثم توسعوا غرباً حتى وصلوا بلاد الشام سنة 288هـ وما اختيارهم للبحرين الا لكون اهلها من شيعة اهل البيت.

تميزت حركة القرامطة عن حركة الزنج، أنها كانت أكثر تماسكاً وأقوى تنظيماً، وأشد تسليحاً بحيث استطاعت أن تعطّل مخططات الدولة العباسية، والتي لم تجد حيلة سوى في استخدام السلاح المعنوي في تشويه صورة القرامطة باعتبارهم خارجين على الخليفة الشرعي والمنتهكين للمقدسات الاسلامية، ولكن التزام قادة القرامطة بضبط النفس، مستفيدين من الرأي العام الاسلامي المناوىء للدولة العباسية ومشاعر العداء المتنامية في اقاليم مختلفة من العالم الاسلامي، وهبهم قدرة على التوسع والسيطرة على مناطق استراتيجية واسعة وعديدة، بحيث شملت مركز الدولة العباسية العراق والشام لتمتد في الجزيرة العربية بعد أن وصلت الى البحرين ثم الى بلاد فارس، حتى كثرت حصون القرامطة، التي ما ان يكشف خصومهم  حصناً حتى يبنوا مكانه حصناً غيره.

وقد جرت وقائع ومعارك دامية وحروب عصابات بين جيش القرامطة وخصومهم منها ما جرى في عام 290هـ، حيث أسرف الطرفان المتحاربان في القتل، وسفك الدماء والسبي، وقد ذكر في وقائع المعارك مع القرامطة سنة 290هـ أنه ورد كتاب من البحرين من اميرها ابن بانوا يذكر فيه أنه كبس حصناً للقرامطة فظفر بمن فيه ولثلاث عشرة خلت من ذي القعدة منها، ورد كتاب من ابن بانوا من البحرين يذكر فيه أنه واقع قرابة لأبي سعيد الجنابي، وولي عهده من بعده على اهل طاعته، فهزمه.

وكان مقام هذا المهزوم بالقطيف، فوجده بعدما انهزم اصحابه قتيلاً بين القتلى، فاحتز رأسه وأنه دخل القطيف فافتتحها .
وفي سنة 312هـ أقام القرامطة في الكوفة، واخذوا اكثر ما كان في الاسواق، وقلعوا ابواب حديد كانت بالكوفة، ثم رحلوا الى البحرين وبطل الحج من العراق في هذه السنة، ويقول الطبري وصح حج اهل مصر والشام ، وكانت مدة اقامة الجنابي مذ بدء دعوته وافتتاحه سائر مدن البحرين واخرها هجر وحتى مقتله نحو سبع وعشرين سنة .وفي سنة 325هـ، ضعفت السلطة المركزية في زمن الخلافة العباسية فنشطت سلطة الاطراف، حيث بدأت الاوضاع السياسية تنشق عن دويلات صغيرة، عبر عنها بالطوائف، فصارت أواسط البصرة والاهواز في يد البريدي، وفارس في يد علي بن بابويه، وكرمان في يد ابي علي بن الياس، والري واصبهان والجبل في يد ركن الدولة ابي علي بن بويه، وشمكير والموصل وديار ربيعة وديار بكر في يد بني حمدان، ومصر والشام في يد محمد بن طغج، والمغرب وافريقية في يد ابي تميم، والاندلس في يد الاموي، وخراسان وما وراء النهر في يد نصر بن أحمد وطبرستان وجرجان في يد الديلم، واليمامة والبحرين في يد ابي طاهر الجنابي

copy_r