لم تتخيل دول مجلس التعاون الخليجي والولايات
المتحدة الأمريكية أن تتحول النجاحات المحدودة التي تحققت في تونس ومصر وربما
ليبيا رغم غموض ثورتها إلى مأزق في اليمن والبحرين وسورية حتى بات ما يجري في
الدول الثلاث الأخيرة هاجسا يؤرق الطرفين أي دول الخليج العربية وأمريكا بعدما
بات واضحا أن حساب الحقل لن يكون هو نفسه حساب البيدر لكل منهما فالأجواء بدأت
تتلبد.
في منتصف شهر شباط/فبراير من العام الحالي اندلعت ثورة شعبية في البحرين شاركت
بها كل مكونات الشعب البحريني رغم محاولات السلطة هناك التحريض عليها بإعتبارها
ثورة مذهبية مدعومة من إيران ومع ذلك تمكنت الثورة من تحقيق نجاحات محدودة
مرحليا، ولولا تدخل قوات المملكة العربية السعودية تحت غطاء فيلق درع الجزيرة
وقوات أردنية بهدف منع تلك الثورة من تحقيق أهدافها بتكريس الحرية والكرامة
والمساواة بين كل أطياف الشعب وفئاته لكانت البحرين أول دولة خليجية تحظى
بملكية دستورية في المنطقة.
وقام بإطلاق شرارة الثورة في البحرين شباب 14 فبراير كما حدث في تونس ومصر
وليبيا للمطالبة بتغييرات وإصلاحات جذرية على نظام الحكم حسب بيانهم المنشور في
تلك الفترة، بعدما أنهكت البلاد بإحتقان مستمر بين الشعب و النظام على مدار
عقود من الزمن كما يقولون ليس من وسيلة للخروج من أجواؤها إلا بإقرار مثل تلك
التغييرات والإصلاحات الجذرية.
وتلخصت تلك المطالب في تكوين مجلس تأسيسي من خبراء و كوادر وطنيين لصياغة دستور
تعاقدي جديد ينص على أن الشعب مصدر السلطات جميعا، وأن السلطة التشريعية تتمثل
ببرلمان يُنتخب كليا من الشعب، بالإضافة إلى أن السلطة التنفيذية تتمثل برئيس
وزراء يُنتخب مباشرة من الشعب، على أن ينص في الدستور الجديد أن البحرين مملكة
دستورية، تحكمها أسرة آل خليفة و يمُنع على أفرادها تولي مناصب كبيرة في
السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية).
ورغم عدالة تلك المطالب إلا أن الثوار في البحرين فوجئوا بموقف مخالف تجاه
ثورتهم لما حدث من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج على إعتبار
أن المملكة العربية السعودية لم تؤيد أي من الثورات تجاه الثورات التونسية
والمصرية والليبية فقد أيدت أمريكا قمع الثورة البحرينية وأعطت هذه الخطوة
الشرعية الكاملة وساهمت لوجستيا بدعم القوات السعودية والأردنية بالرغم من
تصريحاتها الملتبسة بين الحين والآخر لتغطية موقفها الحقيقي من تلك الثورة.
في اليمن لم يكن وضع الثورة التي أنطلقت أيضا في شهر فبراير من العام الحالي
أفضل حالا رغم شرعية المطالب التي طرحها الثوار وهي رحيل النظام سلميا بكل
رموزه وعزل جميع المقربين من الرئيس وأسرته من المراكز القيادية في المؤسسات
ليحل محله مجلس رئاسة انتقالي مكون من خمسة أعضاء مدنيين وتشكيل مجلس وطني
انتقالي يمثل فيه الشباب وكافة القوى السياسية والوطنية ليضع دستورا دائما في
وقت لاحق.
فوجئت ايضا الثورة اليمنية بتدخلات سعودية دبلوماسية وليست عسكرية بتشجيع من
الولايات المتحدة الأمريكية أيضا تحت غطاء مجلس التعاون الخليجي هذه المرة من
خلال مبادرة تعطي فرصة للنظام الذي بدا مرتبكا في بداية الأمر ليلتقط أنفاسه في
وقت لاحق بهدف قمع الثورة والقضاء عليها، وقد نجحت هذه المبادرة في إبقاء حكومة
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في الإنعاش مؤقتا لكن هذا النجاح لم يدم طويلا
بعدما بات واضحا إصرار شباب الثورة على التخلص نهائيا من حكم ذلك الطاغية.
في الحالة السورية أختلف الوضع فمن كان يحاول قمع الثورتين البحرينية واليمنية
تحول فجاة إلى أكبر متعهد للديمقراطية في المنطقة وأقصد بهما الولايات المتحدة
الأمريكية من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى حتى أصبحت تعتقد وأنت
تتابع الوضع هناك أنك أمام دي لابريت مونتسكيو أو روبرت دول، وأن من كان يتوارى
خجلا أمام الثورتين البحرينية واليمنية أصبح الآن يصرخ بأعلى صوته في سورية ..
'لا نقبل بأقل من رحيل النظام السوري بكل مكوناته' ليحل محله مجلسا وطنيا ركبت
مكوناته على عجل.
إختلاف وضع الثورتين البحرينية واليمنية من جهة وما يجري في سورية من جهة أخرى
رغم إقرارنا بحق الشعوب المطلق بالديمقراطية والحرية يؤشر إلى حجم المأزق الذي
تعيشه الدول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية فهما يقفان عاجزين عن
التأثير في الأمور فإذا نجحت الثورتين البحرينية واليمنية يعني خسارة حليفين
هامين في المنطقة لن يعوض عنهما سقوط النظام السوري، وإذا فشل المشروع الثنائي
في سورية وبقى النظام ستتداعي كل تلك النجاحات المحدودة التي حققتها الولايات
المتحدة الأمريكية في بلدان أخرى لتتحول المنطقة باسرها إلى منطقة معادية
للوجود الأمريكي. دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية رمت ببيضها في
السلة الأمريكية وراهنت على تلك الخطوة بقوة وهي في ذلك الرهان تتوقع وضعا
إيجابيا يمكنها من محاصرة التغول الإيراني في المنطقة حسبما يردد المقربون
منها، لكن مراجعة بسيطة لما يجري في المنطقة يمكن أن تشكك بإمكانية بلوغ مثل
ذلك الوضع الإيجابي وهو أمر سينعكس أن عاجلا أو آجلا على الإستقرار الهش في
المملكة العربية السعودية نفسها.