يمكن أن يستنبط المتابع للشأن الخليجي أن (مجلس التعاون لدول الخليج
العربية) منزعج من الثورة الشبابية اليمنية ومتوجس خيفةً - في الآنِ ذاته - من
إزالة مؤسسة أو شركة (علي عبد الله صالح وأولاده.. شركة عائلية بالتزامات غير
محدودة) الحاكمة لأكثر من ثلاثة عقود وإحلالها بدولة مدنية ديمقراطية كما قرر
الشارع اليمني المنتفض والثائر بالكاد بكل فئاته وأطيافه. ولعل ثمة عاملاً جيو
سياسياً وإستراتيجياً يسهم في القلق السيكوباثي للمجلس الخليجي ـ كما يشخصه
كثيرٌ من المحللين - وهو أن مجيء نظام حكم مدني ديمقراطي في اليمن قائم على
الإنتخاب الشعبي الحر المباشر، سيشكل تهديداً محتملاً لدول الجوار الأوتوقراطية
ولا سيما (السعودية) التي تقع اليمن تقريباً في خاصرتها اليمنى.
ومن المؤشرات على توجسات (المجلس) البِيو أيديولوجية ـ إنْ أمكن الوصف الجيني-
'المبادرة الخليجية' التي قدمها (المجلس) منذ أشهر خلت. ومع أن الشارع اليمني
كان متجاوزا للمبادرة حتى قبل صدورها وطبيعي أن يرفضها جملة وتفصيلا ومعنىً
ومبنىً وقدم الشكر لدولة قطر لانسحابها من المبادرة بعد أن اتضح لها عدم جدية
(علي عبد الله صالح) ويبدو أن دولة قطر والشارع اليمني اشتمّاَ من المبادرة
رائحة مؤامرة وأدركا منذ الوهلة الأولى أنها لا تعدو أن تكون سوى قارب نجاة
لصالح وأولاده وأفراد عائلته وشركته الحاكمة، ومع ذلك كله إستمر (المجلس) في
التسويق للمبادرة وأصر (صالح) رفض التوقيع عليها مستغلا تعاطف الغرب واصطفافه
معه بحجة وجود إسلاميين و(القاعدة) في اليمن وهذا هو غالباً السبب المباشر وراء
عدم إكتراث الغرب بالدم المسال في اليمن رغم وضوح الصورة المتعلقة بوحشية أمن
(صالح ) وبلاطجته وشبيحته (النسخة اليمنية) خاصة على إثر عودته من السعودية
وانتشرت تكهنات تزامنت مع رجوعه أن (السعودية) هي من طلب إليه العودة بعد أن
وصل إليها أن الشعب اليمني الثائر ضده كان يعتبر قتله لشباب الثورة بضوء أخضر
سعودي.
وللأسف دخلت أحزاب (اللقاء المشترك) في المؤامرة ووقعوا على (المبادرة) رغم أن
شباب الثورة يعتبرون كل ذلك خيانة لهم وطعنة في ظهر الثورة الشعبية والتفافا
مكشوفاً على مطالبها ومؤخراً سمعنا أن 'مجلس الأمن الدولي' وهو بلا ارتياب أو
تشكيك في الحد الأدنى ينفذ أجندات أمريكية وإيباكية بمعىً أصح وبريطانيا
والولايات المتحدة الأمريكية - ويُرجح أن تتبعهما بقية دول الإتحاد الأوروبي
ودول الناتو - طلبت جميعها من (صالح) التوقيع على المبادرة وكأن القضية هي
توقيع (علي صالح) على المبادرة، ضاربين عُرضَ الحائط تضحيات شباب الثورة على يد
قوات أمن (صالح) في مشهد فاضح وصارخ للمعايير المزدوجة والكيل بمكيالين وتطبيق
المذهب المكيافيلي السياسي اللأخلاقي.
ولا يستبعد كثيرون أن الغرب له مصلحة في (المبادرة الخليجية) إنْ لم يُمْلِ
مباشرة أو بطريق غير مباشر على (المجلس الخليجي ) باستصدار المبادرة التي تنص
بين ما تنص عليه على أن يقوم (علي صالح) بالتنازل عن سلطاته لنائبه مع الحفاظ
على نظام (صالح) نفسه لحاجة الغرب له إفتراضاً من الغرب بوجود قوي للقاعدة، وهو
أمر يصب كذلك في مصلحة (السعودية) بالتحديد دوناً عن كل دول (المجلس الخليجي)
حتى وإنْ كان ذلك على حساب الكلفة البشرية التي يقدمها شباب الثورة بفعل ـ كما
يقول الشباب أنفسهم ـ الإنتقام الواضح ( لعلي صالح ) من شباب الثورة سيما بعد
عودته من السعودية والتي يستعمل أمنه أسلحة ثقيلة منها (آر بي جِيْ) لقتل
المتظاهرين والذي لم تسلم منه النساء والأطفال مما جعل القتل اليومي المكثف
ظاهرة متكررة على شاشات التلفزة العالمية.إن كل المحاولات اليائسة والبائسة
'لمجلس الأمن الدولي' ولدول الغرب و(مجلس التعاون الخليجي) وأحزاب (اللقاء
المشترك) النفعية لإعادة الحياة 'للمبادرة الخليجية' الميتة لحظة ميلادها
المشؤوم بل هي نزلت من رحِم المؤامرة الخليجية الغربية سِقطاً هي عبثٌ في
المطلق وقد آن لها أنْ يتم دفنها لأن بقاءها في 'ثلاجة الموتى' كل هذا الوقت
كلفته عالية وغالية سيما وأن أهل الشرعية اليمنية وهم شباب الثورة يرفضونها
رفضا مطلقا وقّع من وقَّع أو لم يوقع.
القدس العربي