gulfissueslogo
ناصر العبدلي
إيران والسعودية.. أمثولة الكهف؟
ناصر العبدلي

09-10-2011
حتى الآن لم يتمكن أحد من تغيير حقيقة أن هناك فرقا بين الشمس كما هي وبين تصورنا للشمس وإحساسنا بها وموقفنا منها كما صاغها الفيسلوف اليوناني العظيم أرسطوطاليــس في أمثولته الخالدة 'الكهف'، وربما لن ينجح أحدا في فعل ذلك مستقبلا لأن هناك فرقا بين حقيقة الشيء وبين تصورنا له .
في عام 1979 قامت ثورة شعبية في إيران أطاحت بالنظام الملكي أو ما يسمى بعرش الطاووس في ذلك الوقت وقامت على أنقاضه جمهورية إسلامية ومن ذلك الوقت والمملكة العربية السعودية تناصب تلك الثورة العداء وتجر معها بعض دول الخليج مع بعض الإستثناءات إذا ما أخذنا موقف حكومة دبي التجاري في الحسبان لا لشيء إلا لأنها ثورة أسقطت نظاما ملكيا والإقرار لها يعني إعطاء شرعية لمثل تلك التغييرات .
الموقف السعودي السلبي من إيران الثورة أوجد عائقا أمام وضع العلاقة بينهما على الطريق الصحيح الأمر الذي ظهر في محطات كثيرة إلتقى خلالها الطرفان في عهد الرئيسين الإيرانيين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وربما في بداية عهد الرئيس الحالي أحمدي نجاد لكن في الوقت الحالي يبدو ان لقاء الطرفين لم يعد واردا بعد أكثر من تطور كان آخرها دعم السعودية إياد علاوي في العراق والقوى السياسية المتحالفة معه، بالإضافة إلى ما ظهر في وثائق ويكيليكس من حرص سعودي على شن الولايات المتحدة الأمريكية عملية عسكرية ضد إيران لتحجيم نفوذ الأخيرة في المنطقة بعدما عجزت هي عن فعل شيء تجاهه .
إيران تمكنت من وضعها يدها على نقاط الضعف في السياسة الخارجية السعودية وحاولت الإستفادة منها قدر الإمكان وتركت الباب مواربا أمام حوارات مباشرة على ملفات المنطقة لكن وفقا لشروطها هي الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة السعودية ودفعها إلى شن حرب إعلامية كبديل عن الحرب الحقيقية وقد تحولنا نحن كشعوب إلى ضحايا لهذه الحملة التي تكاد تفتك بالنسيج الإجتماعي لدول الخليج العربية دون إستثناء .
وتحولت هذه الحملة مع مرور الوقت إلى 'أمثولة الكهف' حتى أصبح مانعرفه عن إيران لا يعدو أن يكون تصورا حشرته الأجهزة الإستخباراتية السعودية، ومن بينها القنوات التلفزيونية الموجهة حشرا داخل عقل المواطن الخليجي ومهما حاول أحد آخر خارج إطار هذه الأجهزة كشف الحقيقة فأن مصيره سيكون مصير من ترك الكهف وأطلع على ما يجري خارجه التهكم والسخرية بل يمكن أن تصل الأمور إلى الإيذاء الجسدي كما حصل مع أكثر من مواطن خليجي .
إيران رغم معارضة الكثيرين في منطقة الخليج العربي لسياساتها وتفردها ببعض الملفات الإقليمية التي تتطلب التعاون مع جميع الأطراف في المنطقة لحلها إلا أنها أنجزت الكثير بعد الثورة الإسلامية فقد كان المشهد السياسي الإيراني قبل الثورة شبيه إلى حد كبير بأوضاع بعض الدول الخليجية حاليا من ناحية تجاهل المتطلبات الشعبية والإستخفاف بالمؤسسات الدستورية القائمة وبينها البرلمان وإزدراء فكرة الأغلبية الشعبية وأهمية أن تكون جزءا رئيسيا في التشكيلات الحكومية لكن كل ذلك تبدل بعد الثورة وأصبحت المؤسسات الدستورية تحظى بإحترام كامل مع كل الصعوبات التي تكتنف المشهد السياسي الإيراني الحالي .
تمكنت الثورة الإيرانية من إنجاز دستور جديد متوازن إلى حد ما مع واقع الحالة الثورية التي شهدتها البلاد بعدما شاركت كل مكونات المجتمع وقواه السياسية في تلك الثورة دون إستثناء يقدم المؤسسات على الأفراد بدءا من إنتخاب مرشد الثورة الإسلامية وعزله حسبما تقتضي المادة 107 من الدستور وإنتهاء بإنتخاب رئيس الجمهورية الإسلامية وأعضاء البرلمان بشكل مباشر من المواطنين دون الإخلال بمبدأ التطور على الحالة الثورية عندما تبرز حاجة لإعادة النظر في مادة أو أكثر من مواد ذلك الدستور وهو أمر تفتقده الأنظمة الخليجية بإستثناء النظام السياسي في الكويت الذي يشبه إلى حد كبير الدستور الإيراني في بعض المواد رغم الإختلاف في الفكرة العامة التي يستند عليها الدستورين .
في المملكة العربية السعودية يتمحور النظام السياسي حول فكرة التفويض الآلهي كما يقضي النص القرآني 'قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء' الأمر الذي كدس كل الصلاحيات التي تمثلها السلطات الثلاث في يد شخص واحد هو الملك مع مايحمله مثل هذا الإجراء من إمكانية التأثر بما يحيط بمثل هذا الموقع من تجاذبات يمكن أن تكون المصالح والأهواء طرفا فيها، كما أستبعد النظام السياسي أي دور للخيار الشعبي في قيادة الدولة وإن ظهر في بعض الحالات مؤيدا له ضمن مايسمى مجلس الشورى والمجالس البلدية التي لا يوجد أي شيء مكتوب حولها حتى الآن .
هناك فرق كبير بين نظام تقوم فكرة السلطة فيه على التفويض الشعبي وآخر تتمحور فكرة الإدارة فيه على نظرية التفويض الآلهي بإعتبار أن الأولى حقيقة نلمسها نهاية كل إنتخابات برلمانية ورئاسية وتصدر عنها أرقام وقراءات مختلفة تنشر ويراها الجميع، فيما الثانية لامجال لمعرفة تفاصيلها بإعتبارها أمرا غيبيا ربما أبرمت تفاصيله بعيدا عن أعين المراقبين وبينهم المواطنون في كل بلد يستخدم مثل تلك الفكرة الأمر الذي يتحول في وقت لاحق إلى مدعاة للتشكيك في الشرعية وربما إلى أجواء من عدم الإستقرار والتوتر.
الدستور الإيراني بحاجة إلى إعادة النظر في بعض مواده تجاه الإنفتاح على جميع مكونات المجتمع الإيراني من قوميات ومذاهب وهي كثيرة مقارنة بما يضمه المجتمع السعودي وتحويل الدستور إلى أداة تتمحور حول المواطن بغض النظر عن مذهبه وقوميته خاصة بعد مضي كل ذلك الوقت على قيام الثورة، فيما المملكة العربية السعودية بحاجة إلى إنتخاب هيئة تأسيسية أو مجلس تأسيسي يضم كل شرائح المجتمع السعودي ويضع دستورا دائما للبلاد يتمحور أيضا حول المواطنة ويسقط من حساباته التعصب لمذهب وحيد دون غيره من المذاهب الإسلامية الأخرى سنية كانت أم شيعية .
كما يجب أن يضع ذلك الدستور في حسبانه أن المشكلة في الأرض وليست في السماء مما يتطلب أن يكون هناك سلطات ثلاث ومسؤولية سياسية يتحملها رئيس وزراء منتخب أو رئيس وزراء يتمتع بأغلبية برلمانية كما في الملكيات الدستورية وتتوزع بعدها الصلاحيات على أكثر من موقع، أما الإستمرار في القرن الواحد والعشرين من خلال نظرية التفويض الآلهي فهو أمر تلفه الصعوبة من كل جانب .
المملكة العربية السعودية ترى أن إيران تشكل خطرا داهما عليها ليس لأنها تملك قوات تمكنها من إحتلال الخليج العربي، فالسعودية أول من يعلم بعدم وجود مثل تلك القوات ، بل لأن الفكرة التي تقوم عليها السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي شرعية صناديق الإقتراع، فيما تكافح هي بكل ما أوتيت من قوة تعميم مثل تلك الفكرة على بقية شعوب المنطقة بأية صيغة كانت سواء أكانت بالصيغة الكويتية أم بالصيغة الإيرانية.

القدس العربي

copy_r