gulfissueslogo
سايمون هندرسون
العودة إلى طاولة المفاوضات: محادثات مجموعة الدول الخمس + ألمانيا مع إيران
سايمون هندرسون

 
الخميس 02 كانون الأول/ديسمبر, 2010

في 6 كانون الأول/ديسمبر، يلتقي ممثلون عن الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مع المندوبين الإيرانيين في جنيف لمدة يومين لاستئناف المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني. وينصب طموح مجموعة الدول الخمس + 1 (P5 + 1) -- الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا -- على تحقيق تقدم في النهاية نحو تحقيق حل يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض بشأن المخاوف المرتبطة بالأنشطة النووية الإيرانية. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات التي تترأسها مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون عسيرة، حيث إن أياً من الطرفين لا يرغب في تقديم تنازلات. وبالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تتأثر أجواء الاجتماعات بتسريبات موقع "ويكيليكس" بشأن القلق العربي المتزايد حول إيران.
 
الخلفية
 
في عام 2002، علِم المجتمع الدولي أن إيران تعمل على بناء منشأة لتخصيب يورانيوم تعتمد على أجهزة الطرد المركزي في ناتانز ومنشأة للمياه الثقيلة (قادرة على إنتاج البلوتونيوم) في آراك. ويستطيع كلا المشروعين إنتاج الوقود للأسلحة الذرية. وبناءً على ذلك، قامت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" -- التي تتولى مراقبة تنفيذ اتفاقية حظر الانتشار النووي التي وقعت عليها إيران -- بالتحقيق في هذا الأمر منذ ذلك الحين.
 
ومنذ البداية، أصرت طهران أن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية فقط. إلا أنه من وجهة نظر "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، لا يزال يتعين على النظام أن يفسر أنشطته بشكل كافٍ. وفي عام 2003، بدأت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مبادرة دبلوماسية لحل المسائل العالقة -- وكانت هذه الدول الثلاث توصف حينها باسم الاتحاد الأوروبي - 3 والتي تم توسيعها منذ ذلك الحين إلى مجموعة الدول الخمس + ألمانيا.
 
وقد كانت المرة الأخيرة التي جلست فيها إيران ومجموعة الدول الخمس + ألمانيا معاً على طاولة المفاوضات هي في تشرين الأول/أكتوبر 2009. وأثناء تلك الجلسة التي انعقدت أيضاً في جنيف، ذكرت التقارير أن المسؤولين الإيرانيين وافقوا مبدئياً على إرسال الكثير من مخزون بلادهم من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج. وقد ذكروا أن إيران بحاجة إلى اليورانيوم منخفض التخصيب كوقود لتشغيل "مفاعل أبحاث طهران" الصغير، بهدف إنتاج نظائر طبية. لكنهم أقروا أيضاً بأن قضبان الوقود الجديدة لا يمكن تصنيعها إلا خارج إيران. وبموافقة النظام الإيراني على إرسال معظم اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج، يستطيع هذا النظام الحصول على قضبان الوقود الذي زعم أنه بحاجة إليها مع الحد في الوقت ذاته من المخاوف الدولية التي تركزت على التحويل الإيراني المحتمل لليورانيوم منخفض التخصيب إلى يورانيوم عالي التخصيب يناسب [صنع] الأسلحة.
 
إلا أن الحكومة في طهران أعاقت تنفيذ الاتفاق، مع قيامها بمحاولات متكررة لتغيير شروطه. وفي غضون ذلك، أنتجت إيران المزيد من اليورانيوم منخفض التخصيب، مما قوض أساس الاتفاق. ورغم أن تركيا والبرازيل حاولتا إعادة التوسط في ذلك الترتيب في أيار/مايو 2010، إلا أن جهودهما باءت بالفشل لأنهما لم تضعا في الحسبان المخزون الإضافي من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي أنتجته إيران منذ عام 2009.
 
التقرير الجديد لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"
 
في تقريرها الأخير حول إيران الذي صدر في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، ذكرت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أن مصنع ناتانز لا يزال ينتج اليورانيوم، بما في ذلك بعض اليورانيوم المخصب إلى ما يقرب من 20 بالمائة، وهو الحد الأدنى لليورانيوم عالي التخصيب (رغم أنه يلزم بشكل عام التخصيب بنسبة 90 بالمائة لإنتاج سلاح ذري). كما ذكرت الوكالة، بدون تفسير، أن إيران أضافت أجهزة طرد مركزي لبعض من سلاسل أو شلالات مصنعها، وعلى وجه التحديد فإن كل من الشلالات التي تم تغييرها يتضمن الآن 174 جهاز طرد مركزي بدلاً من 164 جهاز. وربما تكون إيران قد أقدمت على ذلك التغيير من أجل توفير قطع الغيار لكل شلال في حالة التعطل. وفي تطور يُحتمل أن يكون ذا صلة، أكد المسؤولون الغربيون مؤخراً أن أجهزة الطرد المركزي يبدو أنها قد تأثرت بفيروس الحاسوب "ستكسنيت"، والتي أوردت التقارير أنه يتداخل مع سرعة الآلات ويؤدي إلى تعطل كارثي. كما أن التغييرات الإيرانية قد تعني أيضاً أن النظام يقوم بتجربة ترتيبات الشلالات المطلوبة لإنتاج يوروانيوم عالي التخصيب يكون ملائم لصنع قنبلة [نووية].
 
وبعيداً عن مصنع ناتانز، ذكرت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أن إيران ما زالت مستمرة في بناء مصنع التخصيب في فوردو بالقرب من قم، والذي تم اكتشاف وجوده فقط في العام الماضي. كما ذكرت الوكالة أن مفاعل المياه الثقيلة في آراك ما يزال قيد البناء.
 
وقد كان ذلك القسم من التقرير الوارد تحت عنوان "البعد العسكري المحتمل" مقلقاً بصفة خاصة. ووفقاً لما ذكرته «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، "بينت" التقارير السابقة "تفاصيل المشكلات العالقة ذات الصلة بالأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني والإجراءات المطلوبة من إيران ...لحل تلك المشكلات. إلا أنه منذ آب/أغسطس 2008، رفضت إيران مناقشة المشكلات القائمة." ومضت الوكالة تبين مخاوفها بشأن الأنشطة النووية الإيرانية المحتملة غير المعلنة والتي تتضمن منظمات ذات صلة بالجيش، بما في ذلك الجهود المرتبطة بالتطوير المحتمل لصواريخ ذات حمولة نووية.
 
لماذا تُجرى المحادثات الآن؟
 
يرى المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون أن رغبة إيران في استئناف المحادثات في جنيف يظهر فعالية تشديد العقوبات. فمنذ عام 2006، أقر مجلس الأمن الدولي ست قرارات تدين موقف طهران النووي، فرضت أربعة منها عقوبات تجارية ومالية على البلاد ككل، إلى جانب القيود على سفر العلماء والمسؤولين.
 
ومهما يكن الوضع، يبدو أن طهران وافقت على المحادثات على مضض. فقد طلبت في البداية عقد الاجتماعات في تركيا، التي اعتبرتها موقعاً دبلوماسياً أكثر ملاءمة. كما اعتبر النظام أن الأجندة إشكالية. وفي حديثه هذا الأسبوع أمام حشد من الداعمين في شمال إيران، أصر الرئيس محمود أحمدي نجاد على أن "شعب إيران لن يتراجع قيد أنملة" في مواجهة المطالب الدولية بكبح جماح البرنامج النووي. وفي الواقع وافقت إيران على شمل المواضيع النووية في محادثات جنيف فقط في حالة إثارتها كجزء من مناقشة "بشأن التعاون الدولي" و"حل مشكلات الإنسانية". وقد تُرجمت تلك التصريحات بأنها تعني أن المسؤولين الإيرانيين سيحاولون تركيز النقاش على برنامج إسرائيل النووي.
 
ومن المفارقات، أن كشف موقع "ويكيليكس" مؤخراً عن البرقيات الدبلوماسية الأمريكية قد يعطي المفاوضين من الدول الخمس + ألمانيا تأثيرا ونفوذا أكبر. فقد أبرزت بعض البرقيات تنامي المخاوف العربية (التي كانت سرية سابقاً) حول أنشطة إيران النووية، مما يعزز تأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 1 كانون الأول/ديسمبر بأن اجتماع جنيف سيكون "فرصة لإيران لتأتي إلى طاولة المفاوضات لمناقشة الأمور التي تشكل مصدر قلق للمجتمع الدولي، وفي مقدمتها برنامجها النووي".
 
تحديات للدبلوماسية الأمريكية
 
يواجه المسؤولون الأمريكيون عدداً من التحديات في جنيف. أولاً، يجب عليهم إحراز بعض التقدم في المفاوضات لأن التعاطي الدبلوماسي مع إيران كان الأولوية المعلنة من قبل واشنطن (رغم كونها مراوغة) منذ تولي إدارة أوباما للسلطة. ثانياً، يجب عليهم الإبقاء على الوحدة الدبلوماسية للدول الخمس + ألمانيا، لا سيما فيما يتعلق بروسيا والصين، واللتين غالباً ما تفضلان التقليل من موقف واشنطن عن طريق استغلال نقاط الضعف الدبلوماسية أو السياسية. ثالثاً، يجب على الولايات المتحدة أن تثبت لحلفائها، لا سيما في الشرق الأوسط، أنه بوسعها إحراز تقدم مع طهران، مما يخفف من مخاوفهم بشأن التدخل الإيراني ومواجهة مفهوم [قيام] قيادة أمريكية ضعيفة.
 
وعلى افتراض عدم إجهاض المحادثات قبل الأوان، فإن لدى واشنطن بعض الخيارات الجيدة لمواجهة أساليب المماطلة الإيرانية الإضافية أو غيرها من الخدع. وفي الوقت نفسه، يرى المسؤولون الأمريكيون أن أمامهم المزيد من الوقت للتفاوض على تلك العقبات بسبب المشكلات الفنية الواضحة التي تواجهها إيران مع أجهزة الطرد المركزي لديها. ومن جانبها، يبدو أن طهران بعيدة كل البعد عن الاعتراف بأن برنامجها له أو حتى كانت له ذات مرة، أي أبعاد عسكرية. وقد ترى أيضاً أن وضعها يماثل وضع الهند وباكستان في عام 1998 -- أي أنه لو أجرت إيران اختباراً لأسلحة نووية، فإن فترة الإدانة الدولية اللاحقة سوف تفسح المجال سريعاً لقبول الوضع الجديد.
 
وعلى أي حال، فإنه دون فرض عقوبات تجارية قاسية (التي من غير المرجح أن تدعمها موسكو وبكين) أو القيام بهجوم عسكري، تبدو واشنطن مستسلمة للتعامل مع الإنجازات النووية الحالية لإيران على أنها مقبولة. وفي الواقع، ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هذا الأسبوع أن "إيران يحق لها استخدام الطاقة النووية المدنية لأغراض سلمية." وقد تسمح هذه الصيغة لإيران مواصلة تخصيب اليورانيوم حتى إذا لم يكن لدى البلاد أي حاجة واضحة لإنتاج تلك المادة محلياً. يشار إلى أنه يمكن شراء النظائر الطبية التي ينتجها "مفاعل أبحاث طهران" وفق شروط تجارية من مصادر عديدة، كما أن مفاعل الطاقة النووية الوحيد للبلاد (المفاعل بوشهر الروسي الصنع على ساحل الخليج العربي والذي من المتوقع أن يدخل إلى الخدمة في كانون الثاني/يناير) يستخدم وقود اليورانيوم المستورد من روسيا. إن الخيار الآخر المحتمل في المفاوضات -- الذي يتيح لإيران صنع قضبان الوقود منخفض التخصيب لمفاعل بوشهر -- ينطوي على مخاطره الخاصة، نظراً لإمكانية إعادة معالجة الوقود المستخدم لإنتاج البلوتونيوم. بل إن حتى النشاط النووي السلمي المحض سوف يمكّن العلماء والفنيين الإيرانيين من تطوير المهارات اللازمة لإقامة برنامج عسكري في النهاية.
 
وقد صرح هذا الأسبوع المسؤول عن [ملف] إيران في البيت الأبيض، دينيس روس، أن على طهران "اتخاذ قرار"، ويُفترض أنه خيار بين الجزر والعصا. فمن ناحية، تذكر التقارير أن المسؤولين الأمريكيين سيعرضون مساعدات أكبر في مجالات الاقتصاد والطاقة إذا قيدت طهران من برنامجها النووي. ومن ناحية أخرى، فإن واشنطن مستعدة لزيادة العقوبات الاقتصادية إذا لزم الأمر، مما يضعف على نحو أكبر من قدرة إيران على ممارسة الأنشطة التجارية والاستثمارية في قطاعات النفط والغاز المهمة لها.
 
والواقع هو أن محادثات جنيف تنطوي على رهانات عالية، من حيث التحول النووي لإيران والموقف الدبلوماسي لواشنطن. وإلى الآن، لا يتنبأ أي أحد بأن الطرفين سيصلان إلى اتفاق، وترى قلة أنه سيتم إحراز تقدم كبير. وفي الواقع، فنظراً لاحتمال أن تكون نهاية قاسية لهذه الاجتماعات، فإن الاتفاق على موعد للجولة التالية من المحادثات قد يكون أكثر ما يأمل أن يحققه المفاوضون.
 

copy_r