gulfissueslogo
عريب الرنتاوي
تحديات تواجه "ربيع العرب"
عريب الرنتاوي
مركز القدس للدراسات السياسية

05 - 07 - 2011
ثلاثة تحديات تواجه "ربيع العرب"، وتنذر بتحويله إلى "خريف وشيك"، ما لم يجر التصدي لها والانتصار عليها...التحدي الأول، ناجم عن "مقاومة القديم" ورفضه التسليم بالهزيمة...التحدي الثاني، مترتب استنفار قوى "الثورة المضادة"، ولجوئها إلى كل الأسلحة الممكنة للإطاحة بثورات العرب وانتفاضاتهم...والتحدي الثالث، يتأتى عن محاولات بعض المراكز الدولية، احتواء رياح التغيير، وضمان استمرار النظم القديمة وإن بأسماء وحُللٍ قشيبة.

في الحديث عن التحدي الأول، نشير إلى إلى تسرّع العديدين منّا في استصدار "شهادات وفاة" للأنظمة المستبدة، حتى بالنسبة لتلك التي أطيح بـ"أباطرتها" مبكراً (مصر وتونس)، فبقايا النظم القديمة، تقاتل بشراسة، وتسعى في قطع الطريق على رياح الثورة والتغيير، ويبدو أنها تحقق بعض النجاحات، أو على الأقل، تبدي صلابة في التشبث بمواقعها وخنادقها وامتيازاتها...أما في الدول التي ما زالت الريح "تصفر" في ساحاتها وميادينها، فقد شمّرت الطبقات الحاكمة عن "زنودها" ونزلت الميادين والخنادق، وهي تقاتل "من دار إلى دار" ومن "زنقة إلى زنقة"...والمرجح أن المعركة مع "القديم" ما زالت مستمرة، وستستعر في قادمات الأيام على نحو أشد ضراوة.

وفي الحديث عن التحدي الثاني نقول: أن "ثورة عربية مضادة" اندلعت على نطاق واسع، بعيد أسابيع قليلة من اندلاع "ثورة العرب الكبرى"، وبعد أن نجح النظام العربي البائد، في امتصاص الصدمة و"استعادة الوعي والمبادرة"...لهذه الثورة المضادة، أدوات/ أسلحة رئيسة ثلاث: أولها: البترودولار الذي يستخدم بكثافة لشراء الذمم والضمائر والمحاسيب، وهنا يمكن التوقف أمام المساعدات "غير البريئة" التي تدفع علناً هنا، والدفعات "البرئية جداً" التي تقدم هناك، و"من تحت الطاولة"، لعشرات الجهات والجمعيات والمنظمات والشخصيات في العديد من الدول والمجتعات العربية...بعض هذا المال، رسمي، وبعضه الآخر "أهلي" في الشكل، وتابع للمؤسسات الدينية "إياها" في المضمون.

وثاني أسلحة الثورة المضادة وأدواتها يتجسد في الحركات السلفية التي تجد نفسها – غالبيتها على الأقل – في الموقع المناهض لهذه الثورات ومطالبها في الإصلاح والديمقراطية، وقد ثبت أن هذه الحركات تسعى في تدمير النسيج الاجتماعي والوطني لشعوبنا ومجتمعاتنا عبر إثارة معارك ومواجهات مع "الآخر" في المذهب والطائفة والدين، وأحياناً في مع مدارس أخرى في إطار المذهب ذاته أو الطائفة ذاتها...وقد تجلى دور هذه الحركات خصوصاً في الدول التي يمكن احتسابها على خط "المقاومة والممانعة"، وهنا نشير إلى تجربة سوريا على وجه الخصوص، كما أنها تشكل اليوم، صدعاً وصداعاً لمصر والمصريين.

أما ثالث هذه الأسلحة/الأدوات، فيتمثل في "الثقل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي" لقوى الثورة المضادة ودولها، والذي وظّف بقوة لإنقاذ نظامي مبارك وابن علي، وهو يوظف الآن في الالتفاف على "ربيع العرب"، سواء من خلال استعجال إسقاط بعض الأنظمة أو الإصرار على تثبيت بعضها الآخر...المسألة هنا نسبية، ومتداخلة مع خرائط المحاور والمعسكرات والخنادق التي تتوزع عليها المنطقة...وثمة إرهاصات لاستراتيجيات وتحالفات جديدة، أو تبدّل في أوزان القوى وأولويات العلاقة والتحالف معها.

التحدي الثالث، ويتجسد في رغبة "الغرب"، وتحديدا الدول الكبرى: الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا أساساً، في الإبقاء على منظومة مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة في المقام الأول والأخير...وهنا يمكن تلخيص المعادلة التي تحكم سلوك هذه المراكز الدولية بما يلي: "المصالح قبل الإصلاح"...و"التغيير الذي لا يغيير قواعد اللعبة" بين الغرب وهذه المنطقة، وتحديداً لجهة أمن النفط وسلامة طرق إمداده واستقرار أسعاره...أمن إسرائيل وتفوقها غير المشروط...استمرار التعاون في "الحرب على الإرهاب"...هذه الأقانيم الثلاث، هي التي تقرر المسافة ما بين القذافي ومجلس الحكم الانتقالي...الموقف من "شيعة البحرين" ونظامها الملكي...الموقف من علي عبد الله صالح أو من "اللقاء المشترك" وحركات الشباب...من حسني مبارك والمجلس العسكري وميدان التحرير، وكذا الحال بالنسبة لسوريا، حيث تتضح مفاعيل هذه الضوابط والمعايير الحاكمة هنا بصورة لا يرقى إليها الشك، فالغرب يريد "سوريا بنظام الأسد المحاصر والضعيف"، لأنه ببساطة لا يريد تغيير ديمقراطياً جذرياً غير محسوب العواقب، ولا يريد إبقاء دمشق، قاعدة لـ"معسكر المقاومة والممانعة" الذي يضم حماس وحزب الله، وإيران في المقاوم الأول بالطبع.

ولو حاولنا "تشريح" الموقف الأمريكي (بخاصة) من ثورات العرب وربيعهم بخاصة، لوجدنا أنه يراوح بين هذه الحدود والضوابط الثلاث، دعم حسني مبارك ثم التخلي عنه لصالح عمر سليمان لينتهي إلى التفريط بالرجلين، طالما أن المجلس العسكري الأعلى، هو سيد الموقف والقرار...التمسك بعلي عبد الله صالح، ثم الضغط عليه لنقل سلطاته إلى نائبه، قبل التوصل إلى صفقة، يفتح فيها "النظام القائم" أبوابه لمشاركة قوى من المعارضة على ذات القواعد التي سار عليها الرئيس "المحروق"، وهي قواعد تكفل لواشنطن اليد العليا في مطاردة القاعدة على أرض اليمن، وانطلاقاً منه إلى دول الجوار...وما انطبق على سوريا واليمن ومصر، ينطبق على مختلف ساحات الثورة وميادين التغيير في العالم العربي.

لكل هذه الأسباب، يبدو "الطقس العربي" غائم إلى غائم جزئياً...لم تشرق شمسه الساطعة بعد...لم يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود...الفرصة ما زالت مهيأة لسقوط امطار متفرقة ورعدية...من السابق لأوانه التبشير بربيع عربي، لا يأتيه الخريف (الباطل) عن يمين أو شمال، المعركة مستمرة والحرب لم تضع أوزارها بعد.

copy_r