gulfissueslogo
أحمد علي الشمر
قراءة فى شأن تحسس العرب من إيران..الدواعي والأسباب..؟!
أحمد علي الشمر

 لماذا يتحسس العرب من إيران..سؤال ربما هو بسيط وساذج فى معناه الحسي والمنطقى، ولكنه كبيربمعناه ومنظوره الفكري أوالديني أوالسياسي أوالآيدلوجي، بحسب النظرة السائدة الآن، لدي معظم الساسة وبعض المفكرين وطبقات وشرائح المجتمع العربي، وبحسب ما تذهب إليه مراجع ومصادر بعض مراكز البحوث العربية، وأقله بالطبع ما يذهب إليه ويراه أيضا، معظم من يزعمون بأنهم من الباحثين والمحللين السياسيين الذين يظهرون علينا على شاشات التلفزة، وفى أغلب الفضائيات العربية والاجنبية أيضا، التى تتحدث بلسان عربي، وهؤلاء أيضاهم غالبا وراء ترسيخ مثل تلك المفاهيم السائدة فى المجتمع العربي حاليا، حول بروزالظاهرة الإيرانية كظاهرة متنامية، بدأت تثبت وتؤكد حضورها على الساحة، ولكن من خلال نظرة سلبية متجهمة ومتشائمة للتحول الإيراني صوب العرب، الهدف منه آنيا ومستقبليا كما تقول هذه النظرية: هومحاولة إجتياح العالم العربي، وتحقيق طموح إيران وأطماعها فى الهيمنة والسيطرة، والعمل على تصدير ثورتها، ونظامها الآيدلوجي والمذهبي للدول المجاورة والعالم العربي عموما.
 
  وقبل إستئناف هذه القراءة أود أن أشيرهنا إلى ملاحظة هامة، وهى أنني اقدم هذه القراءة على ضوء الأحداث المتتابعة حول هذه القضية، خاصة بعد تصاعد حدة الفتورفى هذه العلاقة بين العرب وإيران مؤخرا، والتى وصلت إلى مستوى ملحوض ولافت لوضع هذا التحسس الذى نتحدث عنه، وبالطبع ليس هذا من باب أومنطلق الدفاع أوتبني وجهة النظرالإيرانية أوالإنحيازإلى إيران، كما قد يذهب البعض، ولكن ذلك مجرد محاولة متواضعة إلى قراءة هذه المتغيرات فى هذا الحدث بحيادية تامة، والتعرف على أسبابه ودواعيه، فرغم أننى لست معنيا بالشأن الإيراني، بل ربما أتحفظ على بعض الجوانب المتعلقة بالطروحات السياسية والإعلامية التى تطبقها حكومة إيران، والهدف منه فى النهاية، هوالوقوف على هذه القضية وتسليط الضوء على بعض أسبابها ودواعيها كما تقدم.     
 
 وحتى نتعرف على جوانب من بعض هذه الدواعي والأسباب لهذه المتغيرات التى طرأت على أوجه العلاقة بين العرب وإيران، تعالوا بنا لنرجع قليلا للوراء، لنقلب بعض الصفحات الإرشيفية للماضي القريب، لنتعرف على طبيعة هذه القضايا، ولماذا تأزمت الأموربين العرب وإيران، وماهي المحصلة والنتائج المتوخاة من هذا التأزيم ومن المستفيد منه، ولماذا تفاقمت الأوضاع إلى هذا الحد، وهل هي مرشحة للتفجرلاسمح الله..؟!
 
    وفى صدد ذلك بداية، لابد لنا أن ندرك، أنه رغم أن هذه النظرة التحليلية التسطيحية المتشائمة التى غالبا ما نسمعها ونقرؤها بمعظم وسائل الإعلام العربية حيال إيران، والتى أوصلت بدورها هذه العلاقة إلى ماوصلت إليه، من فتور وتحسس فى السنوات الأخيرة، رغم وجود التباين فى طبيعة التوجه المذهبي للطرفين منذ المراحل التاريخية المتوارثة، لكن ذلك لم يكن له أي تأثيرعلى واقع العلاقات بينهما على إمتداد التاريخ الحديث كما أظن، إلا أن الأسباب والمبررات الحقيقية الكامنة لدواعي تنامي هذه النظرة وهذا التحسس الذي تصاعد مؤخرا، إنما قد نشأ دون منازع وبصورة متجدرة، على خلفيات أحداث العراق، وماحدث بعد ذلك من تداعيات، ربما سآتي لتبيان وذكربعض تفاصيلها.  
 
   فاذا ما نظرنا إلى الحالة السياسية الناشئة، إبان حكم الشاه السابق وبين الدول المجاورة، ومعظم الدول العربية، فسنجد أن تلك الحالة أوالعلاقة القائمة حينذاك، هي علاقة طيبة وودية، وبالتالي فهي علاقة جيدة ومتصلة، وعلى كافة الصعد، تقوم على علاقة حسن الجوار، وبل هي سمن على عسل كما يقول العرب، فحتى على إمتداد التاريخ ومنذ فجرالإسلام، وحتى تاريخنا المعاصر كان عامل التراث الإسلامي المشترك رغم وجود التباين المذهبي بينهما كما أشرت، هو ماكان يجمع بين إيران والعرب منذ دخل الإسلام أرض فارس، ونحن فى الخليج قد وعينا ولمسنا وعشنا تلك الظروف، وتعايشنا مع هذا التواجد الملحوظ للإيرانيين فى الخليج، فكانت معظم إمارات الخليج تعج بآلاف الإيرانيين الذين يعيشون ولازالوا إلى اليوم، فى أغلب مناطق الخليج وبما فيها المملكة، ولذلك نجد أن أكثرهم قد إمتزج واندمج داخل شرائح المجتمع الخليجي، بعد أن أصبحوا جزء منه، وهناك كثيرمنهم يعيشون الآن بيننا بعد التجنيس كمواطنين مسالمين، وهم يعملون ويسهمون فى خدمة بلدانهم، فى مجالات التجارة والصناعة وغير ذلك، فيما أن البعض الآخرمنهم قدد تقلد المناصب العليا فى هذه الدول، فلم يكن أحد يشعربهذا التحسس وهذا الخوف من قبل، وبالشكل الذى ظهرعلينا اليوم بمظهره المخيف والمريع، وكنتيجة للمتغيرات السياسية، والأحداث التى يعيشها ويمربها العالم اليوم.
 
 وإذن فإن التعقيدات السياسية، خاصة الأحداث التى مرت وتمر بها المنطقة، هى مكمن هذه الأسباب، فلاشك أنه بعد تعاقب وتراكم تلك الأحداث والمتغيرات التى نشأت وزلزلت بمنعطفها التاريخي، كثيرمن تلك القناعات والرؤى والأفكارالسائدة في الوطن العربي، بعد الإطاحة بشاه إيران ووصول الإمام الخميني لزعامة إيران، حدث هذا الزلزال، وانقلبت الأوضاع السائدة فى المنطقة الخليجية والعربية عموما رأسا على عقب، ففي أعقاب الثورة الإيرانية، وتولي الإمام الخميني، وظهور ما يسمى بنظام ولاية الفقيه، ومن ثم ترسيخ مبادئ الثورة فى أذهان مناصريها ومؤيديها والمتعاطفين معها من خارج إيران، قد أدى بالتالى إلى إحداث نقلة نوعية دينية إنفتاحية فى تاريخ تنامي الوعي الديني والسياسي لفكرالمواطن العربي من ناحية، وهوما أدى من ناحية أخرى، إلى بروز وانتشار ظاهرة المد الإسلامي، ونشأة كثير من التيارات الإسلامية فى معظم الدول العربية، ومنها بعض التيارات والحركات المتطرفة، التى نشأت كردة فعل على سطوع نجم الامام الخمينى، وأفول الآخر من بعض التيارات التى وجدت فى مجيئ الامام الخميني وانتشار ثقافته وتوجهاته الدينية المذهبية، تهديدا لموروثها الديني السني، وهذا لاشك مما ساعد على تفاقم المعضلة فى هذه القضية، وربما قد أعطى المسوغ الشرعي، للقرارالسياسي العربي من هذا المنظور، للحذر والخوف من هذه الصحوة، وذلك البركان العاصف الذي وصف بأنه سيجتاح المنطقة، وربما العالم العربي، بحسب الكثير من التوصيفات والتقديرات التى أشرت إلى ذكر بعضها آنفا، وضمنتها كذلك العديد من الإصدارات، التى أعدّها مناوؤا السياسة الإيرانية الجديدة، بجانب الكثير أيضاً من التحاليل والتقارير الصادرة عن بعض المراكز العربية والأجنبية المشار إليها التى توغل فى المبالغة وتحذر من احتمالات مخاطر ثورة الامام الخمينى.
 
   ولاشك بأن الإمام الخميني، رغم كل المواقف والإنتقادات التى وجهت وتوجه إليه بالأمس واليوم من خصومه ومناوئيه، سواء من داخل إيران أوخارجها، أقول لاشك بأن هذه الثورة، قد أحدثت صحوة إسلامية غير مسبوقة فى أنحاء العالم العربي والإسلامي، بل وخارجهما لايستطيع أحد إنكارها، بل أنني أقول أن هذه الثورة فد أحدثت زلزالاً جارفاً وعارماً قلب معه كل المعادلات وكل المسلمات المعروفة والسائدة فى الفكر والثقافة الدينية الإسلامية فى العالم العربي والإسلامي، بل وأعتقد أنها تجاوزتها إلى خارج الوطن العربي، كما أرى أيضا أن بصمات وانعكاسات هذه المتغيرات، لهذه الصحوة مازالت ماثلة للعيان وممتدة إلى اليوم فى أنحاء أقطارالعالم الإسلامي، برغم كل مايقال ويوجّه اليوم إلى هذه الثورة وقائدها الراحل الإمام الخميني، وربما نتاج ومحصلة ذلك هو ماتدفعه إيران اليوم من فاتورة هذا الموقف الدولى المضاد لإيران، فبالرغم مما نتج عن هذه الثورة من إفرازات سلبية مضادة، من داخل إيران وخارجها، وكنتيجة طبيعية لردود الفعل المعاكسة، تجاه تلك الأفكار والتوجهات التى حملتها الثورة، ومايمكن أن تشكله من خطورة، على مستقبل الوعي الفكري الإسلامي العربي، بحسب منظومة الفكرالإسلامي الشيعي، وهو ذاته مارأته بعض التيارات الإسلامية المناوئة كما تقدم، التى بررت وتبرر على الدوام تصديها ومقاومتها الشرسة لتيارالمد الخميني العاصف، ونجد أن مثل هذه المقاومة المضادة لفكر الامام الخميني، قد برزت وتجسدت فى الكثير من المناحي والمحافل والأحداث والمعطيات المتتابعة، ولعل أوضح دليل على جانب من نوعية هذا التصدي للمد الفكري الخميني، يتضح بصورة جلية من خلال تلك الأحداث المتتابعة بعد قيام الثورة وماتلاها، والتى من أخطرها، الأحداث التى ظهرت إلى السطح، فى أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، وماحدث خلالها من صدام ونزف دموي، كاد أن يدخل ذلك البلد فى أتون حرب طائفية بغيضة لاتبقي ولاتذر، وربما كان سيمتد شررها إلى دول المنطقة.      
 
   أقول أن مجمل وكل تلك الأحداث المتصلة منذ الثورة الخمينية وإلى اليوم، قد أوجد كل هذه الهواجس لدى العرب من الإيرانيين، بل قد لا أكون مبالغاً حينما أقول أن هذا التحسس، قد أصبح يطال كل شيعي بالدرجة الأولى، وعلى إعتبار أن كل المنتمين للفكر والتوجه المذهبي الشيعي، هم من التابعية الإيرانية أوالذين يقدمون ولاءاتهم لإيران، بحسب تلك النظرة الشوفينية المتجنية، وهذا برغم براءة الشيعة خارج إيران، من تلك التهمة المزعومة، حول علاقتهم أوولاءاتهم لها، فلطالما أكدوا ويؤكدون على الدوام وفى كل المناسبات، على أن ولاءاتهم وانتمائاتهم هي لبلدانهم وأوطانهم التى عاشوا وتربوا وسيموتون فيها.  
 
  وهكذا أصبح هذا الهاجس نحو التخويف من إيران، غولا وبعبعا يهدد به، إعلاميا وعلى المنابر وربما في المجالس الخاصة، حتى بات التخويف مادة دسمة للإجترار عبرالمحافل وأحاديث وسائل الإعلام، وأصبح ينشر كثقافة يبشر بها فى كل المناسبات وغيرالمناسبات، ولعل ذلك مادعى لإنتشارمقولة الهلال الشيعي الذي حذرمنه بعض القادة العرب، إستناداً إلى مجمل هذه الخلفيات المزعومة، التى أصلت لكل هذا الخوف والحذر من الخطر الإيراني..!
 
  وبذلك نجد حقيقة أن هذا الهاجس العربي الماثل اليوم، تجاه ذلك الهلال المزعوم، هوالذي يجسد الواقع الحقيقي لهذا التحسس، الذي يخشى منه العرب الآن، وهو بالتالى يبرز مانلمسه ونراه ونقرأ عنه قولاً وفعلاً، ويترجم لنا بصورة جلية وواضحة عبر ما تجسدّه الأحداث، وتعكسه وسائل الإعلام العربية، المتعددة الإتجاهات والمشارب، والمليئة بالتقارير والتحاليل، التى تذهب إلى جعل إيران هس الكابوس والبعبع الذي يقض مضاجع العرب..!     
 
  فإذن أول تلك التحاليل التى يذهب إليها معظم هؤلاء الباحثين والمحللين فى شأن السياسة العربية الإستراتيجية، والتى تعطى وتروج لنا حول مدلول وخلفيات وأهداف الجمهورية الإسلامية، والتى برزت ومنذ قيام الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني كما يقولون، هى الأهداف التوسعية وتبنيها لموضوع تصديرالثورة إلى البلدان المجاورة وربما العربية، وبالتالي خلق بيئة مواتية وحواضن مناسبة، لنشرالتشيع والمذهب الشيعي فى تلك البلدان، وهو ماقصد منه بالهلال الشيعي الإيراني، الذي سوف يبسط ويهيمن على شعوب تلك البلدان، وهذا أيضا برغم أن مؤشرات هذه المزاعم، تفضح زيف مثل هذه الإدعاءات، وخاصة على مستوى تصديرالمد الشيعي، فإيران التى تحتفظ بعلاقات حميمية وعميقة، وعلى كافة الصعد مع سوريا، وأقلها مع لبنان، منذ قيام الثورة تقريبا وإلى الآن، لم تستطع تغييرالتركيبة السكانية بهما فى شأن الموضوع المذهبي، فالشيعى أستمر كما هو، والسني والمسيحي بقيا محافظان على نهجيهما وتراثهما، ولم يترك التحالف الإيراني السوري، ولا العلاقة مع لبنان، أية تأثيرات تذكر فى موضوع الانتماء المذهبي لإيران..رغم توفر كل الظروف المواتية لها فى هذين البلدين الشقيقين..هذا إذا تجاهلنا تجاوزا سكوتهما عن إنتهاك سيادتهما، عبر هذا السلوك غيرالأخلاقي إن حدث وهو مستحيل بالطبع، فهل تمتنع عن سوريا ولبنان وتقبل على الدول الأخرى، هذا هو فحوى السؤال الذى يفند بسهولة تلك المزاعم..! 
 
   ولكن دعونا أيضا نستأنف التعرف على مزيد من الحقائق لهذا الجفاء بين العرب وإيران، فمن بين هذه الحقائق، نتذكرأنه منذ الإطاحة بالشاه ومجيئ الإمام الخميني لإيران، فقد توالت الأحداث فى المنطقة والتى كان من أهمها، إشتعال الحرب العراقية الإيرانية، التى نشبت بين البلدين لمد ثمان سنوات، ثم ما أعقب ذلك من مآس دامية على خلفيات الغزو الأمريكي للعراق، ثم بروزالموقف الإيراني الرافض للإحتلال، والذي تنظرإليه إيران باعتباره كمهدد لأمنها الوطني وسيادة أراضيها، وهوالأمرالذى ترجم وجودها كعامل مؤثر فى اللعبة السياسية العراقية، ومن ثم ما تبع ذلك من أحداث جسام، توالت بفعل العدوان الإسرائيلي الآثم على لبنان عام 2006م، والذي إستمر نحوأربعة وثلاثين يوماً، وما تلته من أحداث أخرى لجريمة مجزرة غزة عام 2009م، التى إرتكبتها إسرائيل ضد قطاع غزة الفلسطيني، والتي إستمرت نحو إثنين وعشرين يوماً، وبالتالي ما نتج عن هذين الحدثين من مواقف متباينة، برزمن خلالها الدور الإيراني متجلياً، فى تواصل دعمه لحزب الله، وكذلك ظهور ذات هذا الموقف الإيراني الداعم لحركة حماس، بشكل جلي وواضح إعلامياً ومالياً على الأقل، أثناء العدوان الإسرائيلي السافر على المدنيين فى غزة، كل ذلك قد أبرز تواجد الدور الإيراني وغياب الدور العربي للأسف في هذه الأحداث، وحيث تفاعلت المواقف الإيرانية عبر هذا الحضور اللافت فى هذه الأحداث، بينما غاب الدور العربي، وهكذا جوبه هذا الموقف، من قبل الإدارة الأمريكية بسلسلة من العقوبات، لحقها الملف النووي وبتأثير من هذه الإدارة، واعتبرت منذ ذلك الوقت، ضمن ما يوصف بدائرة الدول الممانعة، وقد وصف موقفها بالمشاكس، الذي يتدخل فى الشئون الداخلية للدول، وهوماحدا بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، ونتيجة لإصرار إيران على الإستمرار فى نهج سياستها المشاكسة، بحسب تقييم الإدارة الأمريكية، بأن تم وضعها على رأس قائمة دول محور الشر، التى إبتدعها بوش ضد الدول الرافضة، لما يسمى بمبادرات السلام التى تقودها أمريكا للصلح مع (إسرائيل)، وبسبب مواقفها المضادة لسياسة الهيمنة الأمريكية فى الخليج بحسب إيران، وهكذا كان للدورالامريكى فى التحريض والتهويل، وتأجيج إثارة قضايا أطماع إيران التوسعية، أسباب أخرى فى تنامي التحسس العربي من إيران.
 
 كل تلك الأحداث مضافا لها، قضية الجزرالأماراتية الثلاث طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبوموسى. كل هذه الدلائل والمؤشرات قد أعطت صورة جلية وواضحة، فى نظر الخبراء والمحلليين السياسين العرب ومراكز البحوث، على مآرب ونوايا إيران وأطماعها فى الدول العربية، ومحاولاتها الدؤوبة، للتدخل فى الشؤون الداخلية للدول العربية والقضايا العربية، بهدف تصدير ثقافتها وأيدلوجيتها القومية والمذهبية.
 
  وبهذا أصبحت إيران ومن خلال هذه النظرة (المشكّكة والمسطحة) لنواياها المبيتة واتجاهاتها الضبابية لمآربها وآهدافها الآنية والبعيدة المدى، كما يقولون أصبحت هي العامل المؤثر لزعزعة الإستقراروالأمن فى المنطقة.
 
  ورغم أن وجود عامل عدم الثقة والتشكيك في تلك النوايا التى يبني عليها فى هذه النظرة التى لازال يشوبها الكثير من الإلتباس والغموض، لأسباب عديدة، من أهمها أولا: أن الخلاف بين الطرفين العرب وإيران لم يظهرأويطفو إلى السطح بشكل جلى وملموس وإلى حد التوتر، وإنما الذى يلمس فيه هوعامل التحسس وربما سوء الظن والجفاء، بسبب ما يشعر به الطرف الآخر العربي من التشكيك فى النوايا وعدم الشفافية فى سلوك إيران والمرتبط بأهدافها ونواياها، بحسب هذه الرؤية الخاصة ببعض مواقفها، والمتعلقة بالقضايا التى أشرت إلى ذكر بعضها، وهوالأمرالذى وصل بهذه العلاقات الى مرحلة هذا التحسس الذى نتحدث عنه، ولكنه فى كل الأحوال لم يصل إلى مستوى أومرحلة التأزم والصدام، إذ لم يتجاوز فى أقصى درجاته ومراحله، إلى سوى بعض التراشقات والتحليللات والتقارير والتعليقات، الإعلامية، هذا اذا ما تجاوزنا المغرب التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران للأسباب ذاتها التى وردت فى القراءة، ومصر التى قطعت علاقاتها مع إيران منذ سنوات، وعلى خلفيات تسمية شارع فى قلب طهران بأسم قاتل السادات خالد الإسلامبولي إن لم تخن الذاكرة.
 
 وثانيا: أعزي تقييم الرؤيا العربية لبعض مواقف إيران بحسب التحليلات السياسية التى يطالعنا بها بين حين وآخر بعض المحللين، إلى المبالغة والتهويل وسوء الفهم، وإدراك طبيعة السلوك فى نمط الشخصية الإيرانية المختلفة عن نمط وإيقاع الشخصية العربية، التى يغلب عليها طابع الحماس والإنفعال والإندفاع والشحن فى كثير من المواقف، بينما نلاحظ إختلاف وتباين هذا النمط فى الشخصية الإيرانية أوالتركية أوغيرهما من الأعراق والقوميات الأخرى، التى تتلقى وتستوعب الأمر مهما كانت حدّته ببرودة أعصاب وتلقائية ملفتة، وهذا يبدو واضحا من خلال ردود الفعل من قبل الإيرانيين، على كثير من المواقف العربية بحسب رؤيتي الشخصية، لذلك أرى ان معظم هؤلاء المحللين للمواقف الإيرانية نسوا أو تناسوا، أن إيران ليست دولة عربية، ومعظم مواقفها تبنى على المبادرات وليس بإطلاق الكلام على عواهنه ورفع الصوت عالياً، كما هو ذلك النهج الدعائي الشعارتي العربي المألوف والمتكرر، للسياسة والمواقف المحورية الدائرية التى درجنا على إتباعها وعرفها المواطن العربي، منذ الخمسينات والستينات، وهي سياسة - محلك سر- التى تقوم على التعبئة والشحن واللت والعجن، وتكتفي بمجرد الأماني وإطلاق التصريحات النارية ورفع الشعارات، وترديد الأقوال والهتافات دون الأفعال، التى تقترن بالعمل وتحقق المكاسب والمصالح والمطامح للمواطن، وإحداث التغيير والإنتقالات النوعية فى العمل البناء والجوانب المختلفة، والتى منها الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية التى تخدم المواطن العربي..!
 
  والذي يبحث فى هذه القضايا، ستهوله الأوضاع السائدة فى معظم البلدان العربية، وسوف يشيب شعر رأسه ويتجرّع المرارة، نتيجة لما آل إليه الوضع الذي يعيشه المواطن منذ تلك المرحلة، والتى لم تقدّم له تلك الشعارات واللافتات المرفوعة، طيلة كل هذه السنوات العجاف، حلولاً تذكر لمعاناته وقضاياه..!         
 
   وأما إيران فلاشك أنه رغم ما تواجهه من حصاروعقوبات، نتيجة لمواقفها وممارساتها المربكة وخلفيات ملفها النووي، بحسب التقييم الذى تعكسه وسائل الإعلام العربية والعالمية أيضا، فنجد أنها على العكس من ذلك، فقد حصدت إنجازات كبيرة وهائلة فى نموها المتصاعد فى مختلف الميادين.
 
  وأجد فى النهاية أن بعض المبررات والمسوغات التى يرتكن عليها العرب فى جفائهم للمواقف الإيرانية، يجب أن تنظرإليها إيران بإيجابية وبروح أخوية وأن تتفهم إيران نمطية الشخصية العربية، وتأخذ موضوعات الخلاف التى يرتكن عليها العرب فى خلافهم معها بعين الإعتبار، لإزالة جميع هذه المعوقات وكل مامن شأنه إثارة التوترات، وأهمها التعامل بشفافية مطلقة، والإفصاح والإجابة على الأسئلة حول بعض القضايا الخلافية.
 
   ولإزالة الإحتقان الطائفي بين الجانبين، ضرورة أن تقوم إيران بمبادرات عملية وملموسة، للنظر في الأسباب والدواعي التى تنشأ عمداً أو لسوء الفهم، سواء عن طريق هيئات أوجماعات أوأفراد، حول موضوع تصدير الأيديولوجية الثورية الايرانية، كالزعم بموضوع نشرالتشيع فى بلاد السنة، فلا السنة سوف ينقصهم متشيعاً، ولا الشيعة سوف يزيدهم متشيعاً، وعليها كذلك أن تجيب على الأسئلة المزعومة، حول عدم السماح ببناء مساجد للسنة فى طهران، وهذا ليس باعتباره تدخلا فى الشأن الداخلى الإيراني، ولكن من منظور إسلامي بحت، ونظرا لما لهذه القضية من حساسية تمس مشاعر بعض المسلمين السنة، فكما أن إيران تثير مثل هذه القضايا لشيعة الخليج، فعليها أن تقبل ملاحظات الآخرين حول أوضاع السنة في إيران، وهذا هو المأمول من دولة إسلامية كإيران، التى ترفع لواء التسامح وتطبيق عدالة الإسلام.
 
 وفى موضوع الإعلام الإيراني، ومنه على وجه التحديد إعلامها العربي الموجه، فإن له لاشك موضع تقدير واحترام، فى نفوس المثقفين والإعلاميين العرب، لهذه المبادرات وللجهود المبذوله فى إنشاء هذه القنوات الموجهة والناطقة باللغة العربية، والتى تعد بذلك كجهد إضافي يسهم فى خدمة القضايا العربية، ولكن من الملفت أن العرب لم يقوموا بمبادرة مماثلة، لإنشاء قناة عربية تتحدث باللغة الفارسية، يمكنها من إيصال صوتها، وأن تسهم فى التعريف بقضاياها العربية للشعب الإيراني الشقيق، فمن بين القنوات الإخبارية الموجهة قناة (العالم) وهي قناة مهنية بكل ماتعني الكلمة من معنى، إستطاعت أن تواكب التطور، وتقوم بنقل الأحداث الخارجية بمهنية عالية، خاصة فى أحداث الغزوالعراقى للكويت والحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، بالإضافة الإحتلال الأمريكي للعراق، ولكن من اللافت هو إهمالها إلى حد ما للداخل الإيراني، فرغم كونها موجهة للخارج، لايعني مطلقا عدم الإهتمام بإبراز جوانب الفعاليات السياسية والفكرية الداخلية، والتركيز فقط على الخارج كما هو ملحوظ، فعلى العكس من ذلك، يمكنها الجمع بين الجانبين فى آن، تقديم الشارع الإيراني والتعريف بأنماط ثقافتها ومجتمعاتها، عوضا من تركيزها على الخارج، رغم ما سبب ويسبب ذلك للقناة من مشاكل وإحراجات مزعجة، والتى منها على سبيل المثال، قطع القمر الصناعي عرب سات لبثها..
 
 

copy_r