2011-05-29
لم تخل العلاقات الإيرانية العربية على مر العصور من إشكاليات سياسية وثقافية
واجتماعية مهما كانت طبيعة النظام السياسي في طهران، فمنذ دولة فارس قبل
الإسلام حتى اليوم لاتزال تلك العلاقات تخضع لاعتبارات ثابتة محورها الرئيسي
الجغرافيا والتاريخ، وأخرى متحركة تندرج تحت سقفها عناوين صغيرة، رغم محاولات
الطرف الإيراني تغييب تلك الإشكاليات خلف شعار 'التعاون الإيجابي' بين دول
المنطقة .
'المسألة الفارسية' جزء من الإشكالية، وهي قريبة الشبه إلى حد كبير بما يسمى
'المسألة اليهودية' التي أثارت جدلية واسعة في الغرب بداية القرن السادس عشر
الميلادي من حيث التفاصيل والمنعطفات التاريخية وبواعثها القومية المرتكزة على
الدين والمذهب، فكما استخدمت الثانية في إعطاء شرعية لحركة الغرب الاستعمارية
في دول العالم الثالث، فان الأولى جرى إعادة إحيائها واستخدامها تاريخيا عندما
بدأ بنو العباس التجهيز لثورتهم على الأمويين، رغم أن الإسلام تمكن من هضمها
وأدراجها في السياق التاريخي لحركته .
المملكة العربية السعودية تستخدم 'المسألة الفارسية' هذه الأيام في 'تخويف'
شعوب المنطقة بطرحها على شكل مشروع معاد للعرب له تبعات على الاستقرار والأمن،
وتشترك معها في ذلك بعض الدول الخليجية على مضض، خاصة إذا ما جرى ربطها بأجواء
التشيع المشبعة بالميثولوجيا، وهي في هذا الإطار تحشد ما تستطيع من رجال دين
وإعلام ورموز مذهبية من أجل تسويق هذه الفكرة، لكنها ليست الوحيدة التي تقوم
باستخدام 'المسألة الفارسية' فهناك أيضا الولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت
فيها فرصة من أجل خلق توازن بين المتناقضين القومي والمذهبي في المنطقة يجعلهما
في مواجهة بعضهما البعض لكي ينشغلا عن ترتيباتها في الإقليم من ناحية ولكي تقطع
إيران الطريق أمام أي امتداد سني يمكن أن يشكل تهديدا للنفوذ الغربي في المنطقة
أو خارجها .
إيران ليست خالية تماما من أجواء التطرف القومي والمذهبي ويكفي أن نسمع بين
الحين والآخر أقوال مثل، ان الحضارة الإيرانية عمرها يمتد إلى ما قبل ثلاثة
آلاف عام، ومن المجحف اختصارها بعمر الدعوة الإسلامية، لكن ذلك لا يعني
الانزلاق في فهمنا للواقع الإيراني وما يدور حولنا إلى منزلقات بعيدة عن
الحقيقة يريدنا البعض أن ننجر لها، فالقضية أعمق والمشكلة ترتبط بالانظمة
الخليجية وليس إيران .
أولا: ما يثار حول إيران من أجواء يوحي بأنها 'مصطنعة' بكافة تفاصيلها، بدءا من
شعار تصدير الثورة في نهاية السبعينيات إلى معركة حامي البوابة الشرقية بداية
الثمانينيات وما يؤشر على ذلك هو الانفراج في العلاقة بينها وبين مصر الجديدة
بعد سقوط النظام السابق، وكأنما لم يكن بينهما قطيعة طوال السنوات الماضية تحت
ذريعة أن الحكومة الإيرانية أطلقت على أحد شوارعها الرئيسية اسم خالد
الإسلامبولي المتهم باغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات .
ثانيا: إثارة 'المسألة الفارسية' سببه خوف الأنظمة الخليجية، خاصة المملكة
العربية السعودية من التحدي الذي تفرضه ثورة كالتي حدثت في إيران من حيث
انفتاحها وقدرتها على التأقلم والاستمرار في ظل المتغيرات الدولية أمام واقع في
بلد مثل المملكة العربية السعودية يصدر يوميا ما يقارب الخمسة عشر مليون برميل
من النفط لازال يراوح مكانه منذ ألفي عام، إن على صعيد البنى السياسية أو حتى
على صعيد البنى الاقتصادية، فكل شيء مرتبط بمفهوم ولي الأمر 'حتى وإن ضرب ظهرك
وأخذ مالك'، في الوقت الذي تحولت فيه نظريات العقد الاجتماعي وفصل السلطات
وتداول السلطات إلى 'أيقونة' شعبية يتردد صداها في كل أنحاء العالم منذ ما يزيد
عن مئة عام أو أكثر، من دون أن تتمكن من استيعابها بسبب إصرار بعض الأنظمة على
إبقائنا في إطار التخلف .
ثالثا: بعض الأنظمة الخليجية تمكن من تجاوز أزمته وهو في طريق استحضار كل تلك
النظريات السياسية القائمة على تداول السلطة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص
لتجديد بناه السياسية كدولة قطر مثلا، وبعضها لازال يتحدث في الوقت الذي يستحضر
أولئك التاريخ مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عن
مؤامرة ينسجها أحفاد كسرى تجاه العرب رغبة في الانتقام من أحداث تاريخية لم تعد
موجودة وكأنهم في هذا الطرح يرددون ما تقوله أنظمة الجمهوريات العربية عندما
قامت الثورات ضدها .
رابعا: معركتنا الحقيقية ليست مع إيران، بل مع من يصرون على إبقاء الهياكل
البائدة المتخلفة مرجعية لفكرة الدولة لدينا في حين تجاوزتها أغلب دول العالم،
فها هي تركيا الجديدة ارتفع حجم اقتصادها من مئة وعشرين مليار دولار قبل عشر
سنوات فقط إلى ثمانمئة مليار دولار في العام الحالي، وها هي البرازيل في أمريكا
الجنوبية التي كانت احدى من تسمى جمهوريات الموز في فترة الستينات تتحول الآن
إلى ديمقراطية حقيقية تعمل أحزابها على تنفيذ برامج متطورة لتصبح أحدى الدول
الصناعية المحورية في العالم .
معركتنا الوهمية مع إيران ستؤدي إلى انشغالنا عما هو أهم، وهو إعادة بناء
بلداننا وفق مفاهيم جديدة تتطلب إعادة النظر في كل شيء من حولنا وإدخال
التجديدات اللازمة عليه، وليكن التحرر من مبدأ الوصاية على العقول الذي فرض
علينا فترة طويلة من دون مبرر هو مدخلنا لأجواء التجديد، ولتكن العدالة والحرية
وتكافؤ الفرص هي المبادئ الجديدة لدول الخليج العربية حتى نستطيع مواجهة كل
التحديات بما فيها التحدي الإقليمي إذا وجد .