17-05-2011
كيف يمكن فهم رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في توسيع المجلس وتحويله الى
ناد ملكي في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع من اجل الانفتاح السياسي والتطوير
الديمقراطي في العالم العربي؟ هل هناك حقا حاجة لهذا التوسع؟ وهل ترغب الدول
الصغرى في المجلس بهذا المشروع؟ فقد انطلقت الفكرة من الرياض لاهداف سياسية
يمكن التكهن ببعضها ولكن سيظل بعضها في نفوس اصحابها برغم ان مشروعهم هذا لا
يبدو له أفق واسع في المستقبل المنظور.
المجلس عقد الاسبوع الماضي قمة طارئة في الرياض لتقييم الوضع الخليجي عموما
والوضع البحراني بشكل خاص على خلفية الثورات التي انطلقت في العديد من الدول
العربية.
وليس سرا القول ان الجهود الخليجية ساهمت في إجهاض العديد منها في وقت مبكر بعد
انطلاقها، وما تزال تسعى لاحتواء البقية. وثمة حرب طاحنة تدور رحاها في السر
العلن ضد الظاهرة الثورية الكفيلة، فيما لو لم يتم التصدي لها بشتى الاساليب،
بتحقيق نتائج لا تقل اهمية وحجما عن الثورات التي اعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي
قبل عشرين عاما. مجلس التعاون كان الاكثر تحسسا ازاء تلك الثورات، ولذلك كان
رده سريعا وعنيفا ليس لقمع ثورة البحرين فحسب بل لاستبدال الخطاب الثوري
المهيمن على الساحتين الشعبية والنخبوية بخطاب طائفي. هذا الخطاب متعدد الوجوه
والاشكال. فهو تارة صراع ديني يبدو في ظاهره بين المسلمين والمسيحيين، وان كان
الجانب المسلم ممثلا بالتيار السلفي الذي ترعاه السعودية، وهو تارة اخرى صراع
بين السلفيين واتباع المذاهب الاسلامية السنية، وثالثة بين ذلك التيار
والمسلمين الشيعة. واصبح واضحا من سياق الحراك السياسي الخليجي الرسمي ان
السعودية كرست نفسها قائدا للتحالف الخليجي، واصبحت تطمح في توسيع دائرة الثورة
المضادة بضم الممالك الاخرى ضمن تحالف ملكي جديد، يكون بديلا، او موازيا على
الاقل، للتحالفات الاقليمية الاخرى، ومنها الجامعة العربية. لقد كان مفاجئا
دعوة المغرب لدخول النادي المقترح، لكن يبدو ان الملوك لا يفكرون جميعا
بالطريقة نفسها التي يفكر بها ملك السعودية. اما الاردن فقد كان يطالب بعضوية
مجلس التعاون الخليجي، وقد اعربت قمة الرياض الطارئة عن قبولها الطلب. مع ذلك
فليس معلوما بعد ما اذا كان ذلك القبول سوف يتبلور بشكل واقعي، خصوصا ان الاردن
ليس دولة خليجية.
كيف تنظر السعودية لتحالفات المنطقة في مرحلة الثورة الحالية وما بعدها؟ قد
تكون لدى الرياض نظرتها الخاصة لمشروع التحالف الملكي المقترح. ولكن هذا التصور
ما يزال في بداياته ويبدو ان طرحه جاء باستعجال على امل ان يكون ذلك سدا مانعا
من انتشار الثورة الديمقراطية في المنطقة.
فاليمن ما يزال في مخاض عسير بعد ان قرر مجلس التعاون 'هندسة' الثورة لتتمخض عن
نتائج لا تؤثر سلبا على الوضع السعودي. المجلس طرح عددا من المبادرات الهادفة
لانقاذ علي عبد الله صالح من المصير الذي لقيه حسني مبارك، وذلك بالتفاهم مع
الاحزاب السياسية التقليدية، ولكن شباب الثورة ادركوا خطر التدخل السعودي الذي
يطرح عادة في اطار مبادرة خليجية. فالرياض اصبحت تتمترس وراء المجلس لتمرير
خططها الاستراتيجية في اغلب الاحيان. وجاءت الثورة في البحرين لتوفر للسعودية
فرصة للقيام بالدور القومي الذي مارسه عبد الناصر في الخمسينات والستينات،
والذي حاول صدام حسين القيام به في الثمانينات. ومع ان وجود حسني مبارك رئيسا
لمصر اضعف دورها كثيرا ولكنه حال دون تحقق الزعامة السعودية بشكل فاعل. وجاء
سقوطه ليوقظ آمال الرياض في ممارسة الدور الريادي على المستوى القومي. مشكلة
الرياض ان ذلك الدور لا يمكن تحققه خصوصا في الوضع الحالي الذي يبدو فيه الخطاب
الثوري للشعوب مختلفا تماما عن ايديولوجية الحكم السعودي واطروحاته الدينية.
الرياض كانت في الوجدان الشعبي العربي قبل حلول عهد هيمنة الدولار النفطي تمثل
التخلف والرجعية وتجسد ظاهرة 'الأمركة' والاستبداد السلطوي. وقد استثمرت الرياض
في عهد الدولار النفطي كثيرا في مجال الاعلام والعلاقات العامة من جهة، وفي
تمويل المؤسسات الاسلامية الراعية للسلفية من جهة اخرى، كل ذلك استعدادا للايام
الثورية 'السوداء' الحالية.
السعودية اليوم امام خيارات صعبة بين الاستمرار في سياسة التمدد الديني
والسياسي في ظروف ليست مؤاتية لاطروحتها السياسية والفكرية والدينية، او
الانكماش الى موقعها الطبيعي كدولة اقليمية تحصر طموحاتها ضمن حدودها، او بناء
منظومة بديلة للجامعة العربية، اوسع من مجلس التعاون لتحقيق عدد من الاهداف:
الاول احتواء المد الثوري بتحجيم الثورات العربية واحتوائها او حرف مساراتها ما
أمكن. وهذا ما تفعله على نطاق تظهر بعض مصاديقه ويختفي اغلبها. الثاني: تحصين
الانظمة الملكية ضد المد الثوري، لكي تتسع دائرة النفوذ السعودي.
المشكلة هنا ان الممالك الاخرى، كالاردن والمغرب تعلم ان التمدد السعودي يصاحبه
توسع خطير يؤسس للتطرف، فلا يمكن فتح الحدود امام النفوذ السعودي وغلق المنافذ
امام المدارس التي تفرخ التطرف. ولا يستطيع بلد مثل المغرب الذي يتقدم على
السعودية اشواطا في مجال الحراك الثقافي والسياسي والانفتاح الفكري، تحجيم نفسه
ومسايرة نظام ما يزال يمنع المرأة من قيادة السيارة، وما يزال حذرا في اتخاذ
اية خطوة انفتاح. فما ان يخطو خطوة الى الامام حتى يتراجع خطوتين الى الوراء.
المغرب الذي ينتخب حكومته بمن فيهم رئيس الوزراء لا يمكن ان يكون تحت مظلة نظام
ما يزال مترددا في انتخاب نصف اعضاء مجالس بلدية عديمة الصلاحية، وبدون مشاركة
المرأة.
ماذا يعني التحالف الملكي استراتيجيا؟ كان الملك السعودي يعلم سلفا ان المغرب
مرتبط بتحالف اقليمي آخر هو الاتحاد المغاربي الذي نشأ بعد قيام مجلس التعاون
الخليجي، ومن غير الطبيعي ان ينتقل من حلف لآخر، بالاضافة الى ان المغرب لا
يستطيع لعب دور في منطقة الخليج المزدحمة بالمشاكل الطائفية والاستبداد السياسي
والحروب والاطماع الدولية، وان دوره الطبيعي انما هو في محيطه الخاص بالقرب من
الجزائر وموريتانيا وتونس. ومن المؤكد ان ملك السعودية كان يعلم سلفا بحتمية
الرفض المغربي للانضمام، ولكنها خطوة لا بد منها لتبرير ادخال الاردن لاسباب
سياسية من نوع آخر. فالسعودية حصلت على تطمينات امريكية بالدعم ضد قوى الممانعة
العربية في مقابل التطبيع التدريجي مع 'اسرائيل'، وسوف يكون الاردن مدخلا
طبيعيا لهذا التطبيع خصوصا مع التدخل السعودي الاخير لحماية النظام الاردني.
من هنا يمكن فهم القبول الاردني بعضوية مجلس التعاون، تمتينا للتحالف الملكي من
جهة، وتقوية قوى الثورة المضادة من جهة ثانية، والبدء بصياغة محور جديد لمواجهة
التغيرات الاستراتيجية المحتملة بعد التغيير الكبير في مصر ثالثة. وستظل ارض
الكنانة المؤشر الاوضح لمدى نجاح الثورات العربية في خلق واقع جديد مختلف عن
الماضي المؤلم الذي تم فيه تهميش دور مصر عربيا ودوليا لاسباب عديدة من بينها
السعي السعودي المتواصل لملء الفراغ الذي تركه الغياب المصري. ومن المؤكد ان
الخطوة الخليجية قد تم تدارسها مع الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين اعطتا
الضوء الاخضر للسعودية للتمدد العسكري السعودي في المنطقة باجتياح قواتها
البحرين، والتدخلات المتواصلة في اليمن وليبيا.
الواضح ان السعودية تمد رجليها اكثر مما يحتمله لحافها، وتسعى لتشكيل حلف جديد
يواجه تحديين كبيرين: اولهما ما سبق ان عبر ملك الاردن عنه بـ 'الهلال الشيعي'
الذي يضم ايران والعراق وسورية ولبنان، وثانيهما الصحوة العربية والاسلامية
المتوقعة في ظل التغيرات الجديدة. فبرغم الجهود السعودية المكثفة فلن يكون
مستقبل المنطقة كماضيها، بل ان مصر نفسها سوف تكون محورا مهما في تشكيل
التحالفات السياسية من جهة والانبعاث الايديولوجي من جهة اخرى، وسوف تكون اقرب
الى ايران مما كانت عليه قبل الثورة. وهناك امران يقلقان السعودية في هذا
الجانب: اولهما ان هناك تقاربا حقيقيا بين القاهرة وطهران غير مسبوق منذ قطع
العلاقات بينهما في اعقاب توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وثانيهما، تصاعد النغمة
المضادة للسعودية في مصر. هؤلاء منزعجون كذلك من السعي السعودي الحثيث لمنع
قيام نظام ديمقراطي حقيقي وذلك بالضغط المتواصل على الجيش للتباطؤ في ذلك
المسار.
السعودية تسعى لاستباق التغيرات المحتملة باعادة تشكيل صفوف التحالف الملكي
مستعملة ما لديها من اموال وامكانات سياسية وعلاقات اقليمية ودولية ومؤسسات
دينية. ومن المتوقع كذلك ان تسعى للتمدد شرقا لتستعيد موقعها في باكستان.
السعودية ستلعب دورا لحل التوتر في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة
الناجم عن ظروف قتل بن لادن وما نجم عنه من اتهامات متبادلة بين إسلام آباد
وواشنطن. وتدرك الرياض ان باكستان تعاني من اشكالات سياسية وامنية واقتصادية،
وانها، في حال استقرار اوضاعها، قد تكون قادرة على لعب دور غير بارز في
التحالفات الاقليمية في الشرق الاوسط. فمن المرجح اعادة صياغة تحالف عربي ـ
اسلامي يضم كلا من مصر وتركيا وايران وباكستان، وربما العراق، وكلها جمهوريات
اسلامية كبيرة سوف تقرر موقفها مجتمعة في مقابل التحالف الملكي الذي تتزعمه
السعودية. اما كيف سيكون شكل العلاقات بين التحالفين فسوف يعتمد على طبيعة
الدور السعودي ازاء الثورات العربية التي تراوح بين الحسم والجمود، بسبب
التدخلات الخارجية الهادفة لاجهاضها.
وسوف تتواصل هذه التدخلات في المستقبل المنظور فيما تستمر الرياض في مساعيها
لترتيب اوضاع التحالف الخليجي بهدف تقوية الموقف السعودي المستقبلي ازاء
التحديات القائمة والمستقبلية. السعودية تنظر لذلك ليس من منظور المصالح
المحلية او الاقليمية بل على اساس وجود النظام الملكي وفق النمط الخليجي او
زواله. ولذلك تواصل ضغوطها على الحكومات الخليجية الاخرى، خصوصا البحرين
والكويت وعمان لعدم تقديم تنازلات كبرى قد تكون عاملا لتشجيع مواطنيها على
التحرك بهدف تحسين اوضاعهم بعد عقود من الجمود. مستقبل المنطقة اذن يتأرجح بين
الوفاق الشعبي الهادف لاقامة انظمة ديمقراطية حديثة وسعي التحالف الخليجي
للتحول الى قوة مضادة للثورات العربية، بتوسيع الحلف الملكي والتصدي لثورات
التغيير. وبين هذا وذاك تعيش المنطقة على مرجل من نار، ومزاج متأرجح بين الثقة
بانتصار الشعوب والقلق ازاء توسع الثورة المضادة واجهاض آمال جيل التغيير.