gulfissueslogo
مجلس التعاون الخليجي عنده دواء للغير وما عنده دواء لنفسه
أ.د.علي الهيل

03-05-2011
يبدو للمراقب أن مجلس التعاون الخليجي في واقع التطبيق والممارسة السياسية هو مجلس للأنظمة والحكام وللتعاون بينهم لا من أجل الشعوب ولا لصالحهم وإنما من أجل الأنظمة والحكام. منذ نشأته عام واحد وثمانين وتسعمئة وألف (1981) ولأسباب سياسية محض وثمة نظرية لا تبدو عديمة الأرضية تماما مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا - بدرجات متفاوتة وبضغوط من اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة (إيباك) والردهات أو (اللوبيات) اليهودية الصهيونية الإسرائيلية أوعزت لكبرى دول المنطقة وهي السعودية بتشكيل المجلس لعزل منطقة الخليج العربي الغنية دوله بالنفط والغاز عن المتصارعين شمال الخليج العربي (العراق) وجنوبه (إيران)، واللذين بدآ حربا ضروسا على أسس مذهبية واضحة منذ الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر) عام 1980، أي قبل قيام المجلس بزهاء عام واحد فقط.
وقد أثبتت كثير من الدراسات الأمريكية والغربية عموما جواز مثل تلك النظرية والضغوط، ويمكن اعتبار كتاب جون ميرشيمار وستيفن وولت (اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية) أحد أهم وآخر البراهين على ذلك كله ولمصلحة (إسرائيل) أولاً. ولا شك أن (إسرائيل) وحلفاءَها الغربيين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كانوا الأكثر إستفادة من طول أمد الحرب ومن إنهاك دولة عربية مهمة في العالم العربي ودولة إسلامية لها أهمية كبرى على مستوى العالم الإسلامي. وليس من مرتابٍ في أن هذه الدول مباشرة أو غير ذلك أوعزت إلى العراق أو إلى دول الخليج العربي لتحريض العراق على الحرب مع إيران مقابل دعم خليجي وغربي أمريكي لإيقاف ما كان يُعرف سنواتئذ بتصدير الثورة الخمينية الإيرانية إلى العراق ذي الأكثرية الشيعية والدول الخليجية ذات الأكثرية الشيعية كالبحرين أو تلك التي توجد فيها أقليات شيعية كالسعودية والكويت.و لا شك أن قيام الحرب قد عطل تصدير الثورة الإيرانية للدول المذكورة إلى حد كبير. وبشكل خاص تصدى البحرينيون العرب الأقحاح الشيعة بوطنية عالية غير مسبوقة وبحزم صارم لحماية وحدتهم الوطنية والحيلولة دون تمكن إيران لأسباب تاريخية معروفة من شق اللُّحمة الوطنية بين فئات الشعب البحريني شيعة وسنة ويهوداً.
يكاد لا يخفى على أحد الأهمية الإستراتيجية القصوى لمنطقة الخليج العربي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها دول الناتو ودول الإتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا. ولعل محاولات هذه القوى المستميتة في العقد الأخير لزرع فكرة أن إيران هي العدو الأول للخليج العربي وللعالم العربي وليس (إسرائيل) هي تكملة لجهود الإيباك ولوبياتها في أوروبا، لإشعال حرب أخرى هذه المرة بين دول المجلس وإيران.و رغم تسليمنا بأطماع إيران في منطقة الخليج العربي ضمن صراع النفوذ الدولي وأحد أدلتها إستمرار احتلالها لجزر ثلاث إستراتيجية (طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى) التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لم نكن نتمنى على الأمين العام الجديد لمجلس التعاون الخليجي (الزياني) أن يبدأ عهده بما فهمه الكثيرون بدق طبول الحرب مع إيران.
وهو بذلك يكون على طرفيْ نقيض مع سلفه الأمين العام السابق (عبد الرحمن بن حمد العطية) الذي نجح على مدى ثماني سنوات في الإمساك بالعصا من الوسط وفي المحافظة على (شَعرة معاوية) فقد كان يشد عندما كانت إيرانُ ترخي وكان يُرخي عندما كانت إيران تشد.إن حقائق الجغرافيا والتاريخ والدين ينبغي أن توضع في الإعتبار وأن تكون مدخلا لحوار هادئ بين الطرفين. إن أمرا كهذا حتما سيكون هو الأقل كلفة سياسيا واقتصاديا لدول المنطقة التي قطعت حكوماتها شأواً بعيدا في النهضة الشاملة.و من ضمن تلك الحقائق المشار إليها إحتفاء الإيرانيين منذ نهاية القرن السابع للميلاد بأضرحة آل البيت (رضي الله عنهم ) وهم عرب هاشميون قرشيون، والفتوى الأخيرة للسيد علي الخامنئي مرشد الجمهورية التي حرم فيها سب أمهات المؤمنين وجميع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي الفتوى التي قطعت دابر الفتنة التي سببها إثنان من المندسين الشيعة الحاقدين في لندن، وتحوم شكوك حول كونهما كانا ينفذان أجندة غربية تقف وراءها دوائر في الإيباك واللوبي اليهودي الصهيوني الإسرائيلي في لندن، إضافة إلى الدعوة الإيرانية لدول الخليج العربي مفترضين طبعا سلامة النوايا للإستفادة من البرنامج النووي الإيراني، الذي يسبب مصدر قلق لحكومات المنطقة وربما يكون مبالغا فيه نتيجة لإلحاح الدول الغربية على دول مجلس التعاون الخليجي لاستعداء إيران.و لم يكن في الصدد ذاته موفقا قطُّ تصريح (الشيخ عبد الله بن زايد) وزير خارجية الإمارات عن 'قبح' الدور الإيراني في الخليج.
وإذا ما قارنَّا ذلك بالمطالبات الباردة والتي لم ترقَ إلى مستوى التصعيد العسكري من قِبَلِ حكومة دولة الإمارات باسترداد جزرها من إيران وعدم طلبها إحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية مثلاً دعك عن طلب مساعدة خارجية لتحرير الجزر من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو (التي في تصورنا تنتظر فرصة كهذه لتتخذ منها مبررا لمحاربة إيران إنْ كان فعلا العداء حقيقيا وليس صوريا بين الغرب وإيران) لَوجدنا أن ثمة تناقضا في الموقف الإماراتي من إيران.و يتساءل الكثير من المثقفين الخليجيين عن: لَمَّا كانت الإمارات قادرة مع دولة قطر أن تنضما إلى دول الناتو بشكل فعال وحيوي وترسل طائرات عسكرية حديثة (إف 16) إشترتها مؤخرا من الولايات المتحدة الأمريكية، أليست قادرة وهي التي ترتبط مع دول الناتو كما يبدو بعلاقات إستراتيجية أن تطلب منها العون لتحرير جزرها على غرار تحرير الكويت؟ إذن يفترض الكثيرون منهم أن وراء الأكمة ما وراءها. وحتى دخول مجلس التعاون الخليجي على الخط لحل الإشكال اليمني كرس الحقيقة ذاتها وهي أن المجلس مع الحكام وليس مع الشعب. ففي الوقت الذي ينادي الشعب اليمني عن بكرة أبيه بإسقاط النظام طالبت المبادرة الخليجية بأن يسلم (علي عبد الله صالح) غير المرغوب شعبيا السلطة لنائبه وهو ما رفضته الثورة الشعبية اليمنية مما أدى إلى فشل مبادرة مجلس التعاون الخليجي.
وقد نظر الكثيرون إلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي على أنه أمر مضحكٌ مبكٍ معاً. فهو أي المجلس الخليجي لدى معظم دوله نفسها مشاكل مع شعوبها حول التغييرات السياسية والإقتصادية والإعانية والتشغيلية لم يتم التعاطي معها سلميا بل تم في معظم الأحيان قمع تلك المطالب الشعبية السلمية. وكان ملفتاً أن مجلس التعاون الخليجي لم يذرف دمعة أو في الحد الأدنى لم يُظهر أي تعاطف مع شهداء الثورات الشعبية الخليجية في البحرين وعمان والسعودية والكويت وحتى لم يفعل ذلك بروتوكوليا أو ديبلوماسيا وعلى سبيل التظاهر. ومما يؤاخذ عليه مجلس التعاون الخليجي أن مبلغ العشرين مليار دولار التي خصصتها دول المجلس الأكثر غنىً لم يحدد المجلس آليات صرفها وضمان أن تصل إلى مستحقيها وإلى ذوي الشهداء وأنها لن تصل إلى يد الحكومة. ولعل آخر أحد المشاكل التي أوقعت مجلس التعاون الخليجي في تناقض حاد وحرج كبير - حتى وإن لم يتم التصريح بذلك - العريضة السلمية الهادئة والمتحضرة التي قدمها الدكتور ناصر بن غياث أستاذ قانون الإقتصاد بجامعة السوربون في أبوظبي نيابة عن أربعين فردا من زملائه من أفراد النخبة إلى رئيس دولة الإمارات والتي طالبوا فيها بإجراء تغييرات سياسية برلمانية واقتصادية وإنصاف أبناء الشعب الإماراتي من الأجانب المتوغلين في البلاد، إضافة إلى العدالة في توزيع الثروة النفطية الهائلة على أبناء الشعب وعدم إحتكارها من قِبَلِ الأسر الحاكمة الإماراتية. وكانت النتيجة أن الحكومة واجهتهم بقمع غريب عن أخلاقيات دولة الإمارات. وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فإن (الجزيرة) التي كان لها دور عظيم ومؤثر وتُشكر عليه كثيراً وما يزال في تغطية الثورات الشعبية العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، لوحظ أنها تتحاشى ما يحدث في دول المجلس الخليجي. فهي لم تقم بتغطية الثورة الشعبية البحرينية رغم هبوب رياح الطائفية عليها بالشكل الذي قامت به وتقوم به حاليا في تغطية الثورات الشعبية العربية، وكذلك فعل الخطاب الديني من خلال (الجزيرة)، وأيضاً لم تتعرض (الجزيرة) إلى العريضة الإماراتية وتداعياتها مما يضر كثيرا بصدقية (الجزيرة) وموضوعيتها وحياديتها وجعلها تبدو إنتقائية وتخدم أجندات سياسية إقليمية.
 
 القدس العربي
 

copy_r