ويكلي ستاندرد, 2 أيار/مايو 2011
إذاً، أسامة بن لادن لم يكن مختبئاً في كراتشي أو في مكان ما في جبال وزيرستان،
بل في أبوت أباد. آه يا عزيزي !!. قد يكون هناك مكان أكثر حرجاً بالنسبة
لباكستان، ولكن من الصعب أن نفكر في أي واحد. وبعد، فإن هذا دليلاً آخر على أن
باكستان، التي يفترض بأنها حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، قد تصرفت بصورة
ضالة.
إن أبوت أباد هي كـ "ويست بوينت" في نيويورك، حيث يوجد في كل منها كلية عسكرية
عليا. وتقع كل منها بالقرب من مدينة من المدن الكبرى. ففي حالة أبوت أباد، إن
هذه المدينة هي العاصمة الباكستانية إسلام اباد، حيث تستغرق السياقة إليها
حوالي الساعة والنصف -- وهو نفس الوقت الذي تستغرقه السياقة من مدينة نيويورك
إلى الكلية العسكرية الأمريكية، وفقاً للموقع الألكتروني لـ "ويست بوينت".
أبوت أباد هي مدينة عسكرية تعود إلى عهد الهند البريطانية. وقد سُميت بهذا
الإسم نسبة إلى الميجور جيمس أبوت، ضابط ومسؤول إداري من زمن الإمبريالية، الذي
أسس المدينة عام 1853. ومثلها مثل المدن العسكرية الأخرى في المنطقة -- راؤول
بندي (مقر الجيش الباكستاني)، وواه (مركز تصنيع الذخائر) -- فلأبوت أباد معسكر
كبير، ولها حي تخترقه طرق مستقيمة ومساحات مفتوحة، ويعيش في المدينة ويعمل فيها
أفراد من المؤسسات العسكرية. إن المعسكرات هي أكثر أقسام المدن أناقة. وكان
أسامة بن لادن يعيش بالقرب من معسكر أبوت أباد.
إن أبوت أباد هي أيضاً البلدة التي يعيش فيها متقاعدو الجيش الباكستاني. وفي
أواخر السبعينات من القرن الماضي، كنت أقوم بزيارة سياسي باكستاني علماني صريح،
وشخصية نادرة [في المجتمع العسكري والسياسي الباكستاني] الذي كان يعيش في تلك
المدينة -- وهو مارشال الجو المتقاعد أصغر خان. وكان قائداً لسلاح الجو
الباكستاني واعتقَدَ أن له ما يقدمه للحياة السياسية الباكستانية. وقد فعل ذلك
-- لكنه كان سياسياً ضعيفاً ولم يحظى بثقة الجيش الباكستاني، لذلك فشل. والآن
هو في التسعين من عمره ولا يزال يعيش في أبوت أباد.
(وفي أواخر السبعينيات أيضاً، كان يسكن في المدينة أحد ممثلي الاستخبارات
الغربية، الذي عمل تحت غطاء دبلوماسي في إسلام اباد، وكان له بيت من طابق واحد
يلتقي فيه مع دبلوماسيين من الكتلة الشرقية، كان يأمل في إقناعهم على الارتداد.
وقد تسامحت الحكومة الباكستانية في ذلك الحين مع ذلك النشاط، كما وفرت له الأمن
المحلي.)
لقد كان ذلك في السابق، بينما يختلف الوضع الآن حيث أن الثقة بين الولايات
المتحدة وباكستان ضعيفة بصورة خطرة. فمنذ هجمات 2001 عندما -- وفقاً لمذكرات
الجنرال برويز مشرف الذي أصبح فيما بعد رئيساً لباكستان -- قال نائب وزير
الخارجية الأمريكية في ذلك الحين ريتشارد آرميتاج أن باكستان "عليها أن تقرر ما
إذا كنا مع أمريكا أو مع الإرهابيين، ولكن إذا اخترنا الإرهابيين، فعندئذ ينبغي
أن نكون مستعدين للتعرض للقصف والرجوع ثانية إلى العصر الحجري."
إن الحاجة إلى قاعدة لوجستية، تتم منها ملاحقة تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان في
أفغانستان، قد أجبرت واشنطن على تقديم تنازلات في عدة نقاط. إن جميع اللوم --
حول [علاقات] باكستان، مع إيران وليبيا وكوريا الشمالية، المتعلقة بالانتشار
النووي – قد تم إلقاؤه بصورة مريحة على الدكتور عبد القدير خان. كما أن الروابط
بين الهجمات الإرهابية على مدينة مومباي الهندية عام 2008 وبين "جهاز المخابرات
الباكستاني" التابع للسلطة العسكرية قد تم التوصل إليها بصورة بطيئة، على الأقل
من الناحية العلنية. ومن الناحية العسكرية، كانت المساعدة التي قدمتها باكستان
وتستمر في تقديمها إلى القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان ضعيفة؛ ومن
الناحية السياسية، سعت البلاد بصورة نشطة إلى تقويض أعمال واشنطن.
لكن التعاون بين الولايات المتحدة وباكستان هو حاجة مستمرة، لذلك قد يكون من
الضروري استعمال المزيد من الغش الدبلوماسي. بيد، قد يكون من الصعب تسويق هذا
النوع من الدبلوماسية هذه المرة. لقد كان الجيش الباكستاني وشعبه يشكون دائماً
من الأنشطة السرية المشبوهة لـ "وكالة المخابرات المركزية" في باكستان، كما ظهر
ذلك مؤخراً من خلال النشاط الدبلوماسي الذي أثار الشهرة [والذي تورط به]
المقاول ريموند ديفيس، الذي قتل اثنين من الباكستانيين في مدينة لاهور في وقت
سابق من هذا العام. إن المعلومات التي أفادت عن مراقبة مخبأ بن لادن لفترة دامت
أشهر سوف تفاقم جنون الشك لدى الكثير من الباكستانيين.
وحتى وقت مبكر من صباح الأحد، كانت العمليات العسكرية الأمريكية فى باكستان
المجازة رسمياً من قبل الحكومة في إسلام اباد تقتصر على ما يبدو على هجمات على
مخابيء الإرهابيين في المناطق القبلية على طول الحدود البرية مع أفغانستان
باستعمال طائرات بدون طيار. ومن المرجح أن يؤدي الإحراج التي تواجهه باكستان --
بعد أن تم إظهارها بأنها وفرت ملاذاً لأكبر إرهابي مطلوب في العالم -- إلى
تحفيز قيام ردود دبلوماسية وعسكرية وسياسية وعلنية. وستكون معجزة إذا اكتفى
السياسيون في إسلام أباد أو الجيش في راؤول بندي القريبة بالتعبير [فقط] عن
غضبهم الشنيع.
وفي كلتا الحالتين، من المتوقع أن تحدث احتجاجات عامة. إن أبوت أباد هي جزء من
الإقليم الباكستاني الذي يعرف الآن بـ "خيبر بختونخوا"، والذي يذكرنا بالإقليم
الحدودي الشمالي الغربي للبلاد. ويشكو السكان المحليين -- الباشتون -- من
الأجانب، لا سيما من غير المسلمين. ولكنهم يوفرون الضيافة، والأهم من ذلك
الملاذ، للمسلمين المحتاجين. وسيعتبر البعض، وربما الكثيرون، بأن مقتل بن لادن
هو إهانة لإسلوب حياتهم وقيمهم. (لا تسأل لماذا لا يعتبرون إعطائه ملاذاً هو
إهانة لإسلوب حياتنا وقيمنا.)
إن وفاة بن لادن هي نهاية فصل. لكنها ليست نهاية القصة.