gulfissueslogo
علي الشرياوي
الضربة الاستباقية لإيران.. طبول حرب في الشرق الأوسط
علي الشرياوي
15-11-2011

تصريحات الإدارة الأمريكية الأخيرة حول توجيه ضربات جوية لإيران، وما سبقها من اتهامات قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية عن دور إيراني في التخطيط لاغتيال سفير السعودية في واشنطن أربكت حسابات القيادة الإيرانية والتي تجلت في تهديد إيران بـ 'سلاح سري' ستستخدمه في حال شنت أي قوة هجوما عسكريا عليها، لتأتي تصريحات شمعون بيريز رئيس دولة العدو الصهيوني عرّاب الحروب الإسرائيلية من احتمالات شن هجوم على ايران من جانب اسرائيل او دول اخرى 'تتزايد'، يأتي كل ذلك في انتظار وترقب عما سيتضمنه تقرير وكالة الطاقة الذرية حول برنامج إيران النووي والذي رشح عنه أن إسرائيل شاركت في إعداده، فهل هو إعلان رسمي عن الحرب القادمة في الشرق الأوسط؟ وهل دقت طبول الحرب على إيران؟
التهديدات الأمريكية والإسرائيلية هذه لم تكن الأولى، ولكنها الأخيرة والتي تحتضنها ظروف وعوامل مختلفة عن سابقاتها لاسيما تلك التي رافقت التهديدات 'الإسرائيلية الأمريكية' لاسيما تلك في العام 2007م والتي اعتقد الكثيرين بأن حربا قد لاحت في منطقة الشرق الأوسط وسط استعداد من أطراف الأزمة وبعض القوى الإقليمية الدافعة بهذا الاتجاه، وفي الطرف الآخر القوى العالمية التي أحبطت وأخرست طبول الحرب.
الظروف والعوامل المختلفة التي تحيط بالتهديدات تتعدد وتتشعب ولكنها تتلخص في الآتي:
تنامي خطر القوة الايرانية وحلفائها في المنطقة، فمع خروج القوات الأمريكية الرسمي والعلني من العراق خلال الفترة القصيرة القادمة والتي تم تحديدها بنهاية العام الحالي، فرغم أنه خروج مجدول إلا أنه يأتي في ظروف تحقق المصلحة الإيرانية في العراق الأمر الذي يجعل الإدارة الأمريكية في حرج واضح للداخل الأمريكي والأهم أمام حلفائها في المنطقة التي تتهم أمريكا بتسليم مفاتيح العراق لإيران، وتظهر قوة إيران كذلك في استمرارها في دعم حليفها الرئيس في لبنان والذي يشكل خطرا فعليا على الكيان الصهيوني، كما أن دعم إيران 'بعض' ثورات الربيع العربي خاصة تلك المناهضة للسيطرة الأمريكية والأوروبية على المنطقة، ودعم إيران للنظام السوري في مواجهة ثورة شعبية تهدد بقائه والذي تعتبره طهران حليفا استراتيجيا لها.
حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية والغربية في تأمين شريان الحياة العالمي من النفط والذي يتهدده حسب الأمريكيين سعي إيراني للسيطرة عليه، وبثت الإدارة الأمريكية أن إيران تسعى بجد وقوة في هذا الصدد، يرافق ذلك دعم الموقف الأمريكي من حكام الخليج والذين يجزمون بأن لإيران أطماع توسعية في المنطقة، لتستغل ذلك الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية فيما يحقق مصالحها ويضمن استقرار الممالك الخليجية التي تتعرض لرياح الربيع العربي، يساعدها في ذلك بعض المواقف التي لا تتسم بالحكمة السياسية من الجانب الإيراني ليس آخرها ما قاله خطيب جمعة طهران السيد أحمد خاتمي عن حكام السعودية والبحرين.
الانتخابات الأمريكية وصراع الرئاسة الأمريكية التي تقترب استحقاقاتها بعد أشهر معدودة بحاجة إلى أفعال تثبت للناخب الأمريكي باستحقاق الرئيس إعادة انتخابه وحاجة الولايات المتحدة لأوباما فترة رئاسية ثانية، ومن جانب آخر يمكن أن تغطي الضربة العسكرية على مجموعة كبيرة من الاخفاقات التي منيت بها سياسات إدارة أوباما وعدم قدرتها على تحقيق مجموعة من وعودها الانتخابية، كما أنها الضربة العسكرية سوف تحقق دعم أوباما من اللوبي الصهيوني في أمريكا ذلك أنها تحقق أمن وسلام الدولة الصهيونية .
يسيل لعاب مكنة الصناعات العسكرية الأمريكية للوفرة المالية لدول الخليج العربية من عائدات البترول في ظل الأزمة المالية العالمية، ومن مصلحة الإدارة الأمريكية أن تكسب في صفها ركيزة رئيسية من ركائز الصناعة الأمريكية وقطاع مهم من قطاعاتها ذات التأثير في صنع القرار الأمريكي، الوفرة المالية لدول الخليج يقابلها سعار الشركات الكبرى للصناعات الحربية والتي تقبع تحت ضغط الأزمة المالية العالمية والتي يمكن أن تخفف من ذلك الضغط بمزيد من مبيعات الأسلحة للخليج بإشاعة جو من 'إيرانفوبيا'.
التغيير الحاصل في هرم السلطة في السعودية وصعود الأمير نايف بن عبدالعزيز إلى منصب ولاية العهد وتولي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لوزارة الدفاع، والذي عرف عنهما تشددهما فيما يخص إيران وما يعتقدان أنه أطماع إيرانية في السيطرة على الخليج وأنها من يحرك الطائفة الشيعية في المنطقة ولها ولاءهم، ولا يخفى على أحد في الداخل والخارج أنهما من رعاة التيار الديني الذي يرى بعض أقطابه أن إيران أشد خطراً على المنطقة من إسرائيل والغرب، هذا التغيير في هرم السلطة من العوامل التي سوف تدعم خطوة كهذه تخلص المنطقة من النظام الإيراني، وتحقق كذلك إشغالاً للداخل السعودي عن الإصلاحات المستحقة في ظل الاضطراب الناتج عن الضربة وهزاتها الارتدادية، ويحقق الاستقرار لدول في المنطقة مثل البحرين والتي ترى أن بعض مشاكلها مرتبط بإيران وسياساتها.
إيقاف حركة الربيع العربي من تجاوز حدودها الحالية لا سيما تلك التي يمكن أن تهب على أنظمة عربية يهدد استقرارها المصالح الأمريكية ووجودها العسكري وتأثيرها السياسي فيها، والذي من شأنه تغيير خارطة المنطقة بما قد يؤثر على مصالح أمريكا ووجودها في المنطقة وربيبتها إسرائيل، فالخسارة التي لم تتحدد إلى الآن معالمها من سقوط نظام مبارك في مصر وابن علي في تونس لم تتكشف بعد، وذلك أن مصر لازالت تحت حكم بقايا حكم مبارك ممثلا بالمجلس العسكري الذي يسير الأمور بطريقة يتشكك فيها الكثير من المتابعين للشأن المصري، وتونس التي لم تتشكل بعد صبغته المستقبلية التي تنبئ باتجاهاتها وسياساتها التي سوف تدار بها في القريب العاجل.
ومع السوداوية التي تكتنف المشهد السياسي والعسكري في المنطقة وتزاحم الأحداث وتنوعها ليزيد قساوة المشهد ويلبد سماءه، إلا أن ذلك قد يفتح آفاق عدة لحلول أبعد ما تكون عن الحل العسكري والذي له من المعارضين إقليميا ودوليا الكثير في مقابل الساعين لمواجهة عسكرية مع النظام الإيراني، فالصين وروسيا كقوى مؤثرة جدا في كبح جماح هذه الضربة العسكرية ومشككة في النوايا والأهداف الأمريكية، إضافة إلى عدم حماس كثير من حلفاء الولايات المتحدة كفرنسا وتركيا وغياب قوى أخرى عن المشهد كإيطاليا التي تعاني مشكلات داخلية نتيجة الأزمة المالية العالمية وبريطانيا وألمانيا بعدم التزامها بموقف معين تجاه الأزمة، أضيف إلى ذلك القوة العسكرية الغامضة لإيران من قدرة نووية مزعومة و قوة صاروخية كبيرة واسطول بحري وقوة بحرية يعتد بها وعديد القوة العسكرية البشرية إضافة إلى امتدادات إيران الإقليمية في سورية ولبنان سيشكل بلا شك قوة رادعة تجعل الإقدام على توجيه ضربة عسكرية لها عواقبها غير الحميدة.
فمن سينتصر في هذا الصراع الشائك المصلحة الأمريكية بتوجيه الضربة العسكرية؟ أم تنتصر قوة الردع الإيرانية في كبح جماح تلك الرغبة بمساعدة العامل الدولي والمخاوف من تفجر المنطقة بكاملها؟

القدس العربي

copy_r