gulfissueslogo
ناصر العبدلي
هل يشعل الغرب حربا جديدة في الخليج العربي؟
ناصر العبدلي
4-11-2011

الرأسمالية 'مراوغة' حسبما يرى المحللون فهي لا تعرف المبادئ القائمة على العلم كالموضوعية وإعادة التقييم بل تظهر على مائة وجه، وتستخدم في ذلك الظهور عددا كبيرا من الأقنعة، فتارة تختبئ خلف الدين لمواجهة أية عقبات قد تواجهها في مشروعها للهيمنة، وتارة تستخدم الإختلاف المذهبي إن محليا أو دوليا لتحقيق أهدافها، وثالثة تستخدم الصراع الطبقي لا يضيرها في ذلك أنه أحد أدوات خصومها التاريخيين.
الرأسمالية لم تتخل عن مشروعها القديم في السيطرة على أهم عنصرين من عناصر بقائها واستمرارها (المواد الأولية، الأسواق) مهما كان حجم التضحيات، وهي عندما تفتعل الحروب الكونية منها والمحدودة إنما تقوم بإعادة صياغة الحالة السائدة من أجل الإحتفاظ بهما دون أن تعير إلتفاتة واحدة لضحاياها من الشعوب الأخرى فرأس المال أهم بكثير من كل المبادئ التي أقحمتها ولازالت في مشروعها كالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص.
إستحضار تلك المقدمة ليس ترفا فكريا، بل بهدف إستخدامها لتفسير بعض ما يجري على الساحة العربية من أحداث بها تناقضات وتبريرات ليس من السهل إبتلاعها، ففي ليبيا نشبت حرب بإدارة من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبتفويض من هيئة الأمم المتحدة، وهما ليستا جمعيتين خيريتين، وفي سورية هناك من يهيئ الظروف من أجل حرب مشابهة وهما أمران يجب عزلهما عن تطلعات الشعبين الليبي والسوري في الحرية والحياة الكريمة.
ما يجري في سورية يثير أكثر من علامة إستفهام ينبغي التوقف عندها رغم تعاطفي من حيث المبدأ مع نزعة الشعوب للحرية والعيش بكرامة ضمن دولة تحترم التعددية وحقوق الإنسان، فالحراك ينطلق من منطقتين أحدهما محاذية لتركيا وهي عضو في (الناتو)، والآخر من منطقة قريبة من الحدود الأردنية وهي واحدة من الدول العربية 'المعتدلة' ضمن المفهوم الأمريكي.
ثانيا هناك حماس غير مسبوق ومستغرب من جانب الدول الغربية على إصدار قرار أممي شبيه بما حدث في ليبيا ولولا إستخدام الصين وروسيا لحق النقض 'الفيتو' لكنا الآن نشهد تطورات كتلك التي حدثت في ليبيا، في حين أن مثل ذلك الحماس يفتر عند طرح قضية مثل قضية الشعب الفلسطيني التي مضى عليها ما يقارب مائة عام في أروقة المنظمة الدولية دون أي حل يلوح في الأفق رغم عدالتها.
ثالثا هناك خيط إقليمي في القضية يشن حملة شرسة على النظام السوري وينتقد إجراءاته 'القمعية' ويستخدم الإختلافات المذهبية لإقناع جمهوره، رغم أن هذا الخيط ليس أفضل حالا مما يدعي به على ذلك النظام، فالمعتقلات ممتلئة دون محاكمات، كما أن الحريات ليست سوى ضرب من ضروب الوهم، وفوائض النفط تذهب إلى غير مصارفها سواء أكانت لشراء الأسلحة وتكديسها أو لجيوب المسؤولين في تلك الدول على شكل مشاريع وهمية.
رابعا جرت محاولة لإستخدام الجامعة العربية كما جرى في الوضع الليبي لكن المعارضة لهذا الإجراء كانت واضحة من أكثر من دولة عربية ومن بينها دول خليجية لم يعرف عنها الإنحياز الكامل للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن بين المعترضين دولا عربية أشتركت أيضا في اللجنة العربية المكلفة بمتابعة الشأن السوري كبديل عن تجميد عضويتها بهدف عدم ترك عضوية تلك اللجنة للدول المعتدلة فقط، لكون بعضها من إقترح تجميد عضوية سورية.
هناك ما يثير الشك في الحالة السورية وإن كان هناك من فسر ما جرى في ليبيا بأن خلفه النفط وهو يمثل سلعة إستراتيجية بالنسبة للغرب، إلا أن تلك الحالة لا تنطبق على سورية فليس هناك نفط يمكن أن يحرك تلك الدول من أجل مصالحها، وليس هناك أيضا من المقومات الإقتصادية ما يمكن إحتسابه مبررا لمثل ذلك التدخل، بل أن سورية في ذلك الميزان ليست مغرية فما هو السر؟!.
في ليبيا هناك من يقول أن موقف الناتو ليس نفطا خالصا بل هناك مبررات أخرى أبرزها أن ليبيا هي مدخل القارة الأفريقية ومن خلالها يمكن أن تعيد الولايات المتحدة الأمريكية صياغة القارة الأفريقية بكاملها، وقد كان الموقع المرشح في وقت سابق الصومال لكن لم يلق نجاحا يذكر، وقد أدى طي الملف الليبي بكافة تفاصيله إلى نقل القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (افريكوم) وهي أحد المنظمات التسع التي تدير الولايات المتحدة الأمريكية من خلالها العالم من ألمانيا إلى ليبيا.
كما أن هناك من يقول أن سورية هي بوابة السلام في الشرق الأوسط وفقا للمفهوم الأمريكي للسلام ومادامت هذه البوابة تحتضن المنظمات الفلسطينية 'الإرهابية' فان مشروع السلام الذي هو أصلا مشروع حماية إسرائيل سيتعثر وسيؤثر بدوره على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ويقال ان مثل تلك الرسالة سبق وأن نقلها رئيس الأركان الأمريكي كولن باول عندما سقط الديكتاتور العراقي صدام حسين إلى القيادة السورية بشكل مباشر لكنها في ذلك الوقت أدت إلى نشوب حرب مقاومة شرسة كانت نتائجها مقتل خمسة آلاف جندي أمريكي وإصابة خمسين الف آخرين بعاهات دائمة لا يستطيعون بعدها العودة للعمل في الجيش حسب إحصاءات الجيش الأمريكي نفسه.
وهناك أيضا من يضيف العامل الإيراني كأحد المبررات التي تستخدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضد النظام السوري بإعتبار أن تحالفه مع ذلك النظام يمنح الأخير شرعية في الإطار العربي يجب نزعها عنه حتى يسهل التخلص منه بمساندة الدول الخليجية المعتدلة.

القدس العربي

copy_r