مركز القدس للدراسات السياسية 15-10-2011
ينزلق الإقليم إلى أتون مجابهة كونية جديدة، نأمل أن تظل في حدودها الدبلوماسية
والاقتصادية والإعلامية، وإن كنا لا نستبعد أبداً، التورط في "حرب خليج رابعة"،
تستهدف إيران هذه المرة، فيما يشبه القدر المكتوب على هذه المنطقة، أن تواجه
حرباً شاملة قبل أن ينقضي عقدٌ واحدٌ على إنتهاء الحرب التي سبقتها.
واشنطن أخذت تعد العدّة لـ"بناء سيناريو" الحرب المقبلة...حكاية السفير عادل
الجبير، تشبه من حيث وظيفتها، حادثة الاعتداء المزعوم على السفير الإسرائيلي في
لندن عام 1982، والتي مهدت الطريق لحرب الاجتياح والحصار، التي شنّها بيغن –
شارون على لبنان، وبهدف إستئصال المقاومة الفلسطينية وتدمير منظمة
التحرير...والأرجح أن عملية بناء مثل هذا السيناريو ستسغرق عدة أشهر، تكون
خلالها معركة انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، قد اشتعلت على نطاق واسع.
لن تكون نزهة أبداً...فإيران ليست كالعراق (ليس على طريقة سوريا ليست مصر أو
تونس الشهيرة إياها)....إيران فعلاً ليست العراق...هي دولة إقليمية كبرى،
ولديها حلفاء وأعوان ونفوذ في معظم أقطار المشرق العربي، وهي تمسك بأوراق الأمن
والاستقرار في أكثر من دولة عربية، فضلا عن كونها دولة مدججة بالسلاح
والإيديولوجيا والحرس والسلاح النووي، من رأسها حتى أخمص قدميها، وستكون أية
حرب قادمة، جحيماً إقليميا لا يطاق.
لا أدري إن كان ما زال في الوقت متسع للدبلوماسية والحوار والمفاوضات...واشنطن
على لسان رئيسها، تعلن امتلاك الأدلة الدامغة، وتردد عواصم أوروبا كلها المزاعم
ذاتها (أخشى أنها فعلت قبل أن تطّلع على الأدلة والبراهين)....و"الماكينة
العربية" تحركت بكفاءة، لطالما افتقدناها في صراعنا مع إسرائيل...أما بقية
مشاهد ولقطات هذا الفيلم الرديء، الذي شاهدناه أكثر من مرة، فتتوالى تباعاً،
وبصورة نكاد نعرف ما الذي ينتظرنا في قادمات الأيام والأسابيع.
مثل هذا التطور الخطير في المنطقة، ستكون له انعكاساته الضارة على أكثر من ملف
عربي ساخن ومفتوح..."ربيع العرب" سيكون في صدارة قائمة المتضررين من التصعيد
الإقليمي / الدولي الجديد...بعض أنظمة الفساد والاستبداد، ستقفز إلى سطح
السفينة الأمريكية، وستعلن الوقوف إلى جانب واشنطن في "حربها على الإرهاب،
إرهاب إيران هذه المرة"، وستتطوّع لتقديم التسهيلات وعرض المساعدة، نظير "فترة
سماح" إضافية لحكامها الديكتاتوريين في سدة الحكم، وستمنحهم واشنطن مثل هذه
"الفرصة" من دون تردد، بل وبكثير من التقدير والامتنان...ألم يعبروا عن
امتنانهم للرئيس اليميني "المحروق" علي عبد الله صالح، الذي قدّم لهم رأس أنور
العولقي على طبق من فضة، لينجو برأسه أطول فترة ممكنة.
ومثل هذا التطور الخطير في المنطقة، ستكون له تداعيات ضارة على القضية
الفلسطينية...سينضاف بعد جديد وملف آخر، إلى ملفات الخلاف الفلسطيني
الداخلي...وسنعود لسياسة المحاور والمعسكرات التي بدا أنها تلقت ضربة قاسمة بعد
اندلاع "ربيع العرب"...وستكون هناك فرصة لنتنياهو لإضفاء الشرعية على بؤره
الاستيطانية ومشاريعه التوسيعه، نظير التزامه بضبط النفس (؟!)...وسيواجه ملف
فلسطين في الأمم المتحدة، مشكلات الاستقطاب الحاد على الساحة السياسية الدولية.
وسيشهد لبنان المشدود على وتر الاستقطاب المذهبي الأخطر، فصولا من التأزمات
والتجاذبات الإقليمية والدولية، وستصبح قضايا الحكومة والسلاح والمحكمة وقانون
الانتخاب، تفاصيل سمجة، في مشهد محلي مثقل بالحسابات الإقليمية، ومتداخل مع
أزمات الإقليم جميعها...خصوصاً إذا ما ترتب على التصعيد الأمريكي ضد إيران
وسوريا، اقتراب البلدين من لحظة العمل في "غرفة عمليات مشتركة"، لمواجهة الخصم
ذاته و"المؤامرة" ذاتها.
مثل هذا التطور الخطير في المنطقة، سيعمّق "الفالق المذهبي" في المنطقة، ويوسّع
فجوته...وسنشهد فصلاً دامياً من الصراع السني / الشيعي، وامتداداته المذهبية
والطائفية الأكثر تفرعاً...وستمتد ساحات هذا الصراع إلى عموم دول المشرق
والجزيرة والعراق واليمن...وستدفع شعوب هذه المنطقة، أثماناً باهظة لإنجاح
مرامي الاستراتيجيات الدولية ومقاصدها.
والأرجح أن عام 2012، سيدخل تاريخ هذه المنطقة، بوصفه عام الحرب على إيران،
عسكرية كانت أم سياسية ودبلوماسية، تماماً مثلما كان العام 2011، عام ربيع
العرب وثوراتهم...إنه الشرق الأوسط، برماله المتحركة التي لا تدع لأحد من
المهتمين به، فرصة لالتقاط الأنفاس أو الحصول على "استراحة محارب".