gulfissueslogo
بعد وفاة بن لادن
ماثيو ليفيت

بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وبعد عام بالضبط من فشل مؤامرة للقيام بتفجير في ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك، قتلت "القوات الأمريكية الخاصة" زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في منزل آمن يبعد حوالي أربعين ميلاً إلى الشمال من إسلام أباد، عاصمة باكستان. ما هي التداعيات المباشرة لوفاة بن لادن على تنظيم «القاعدة»، والدائرين في فلكها، واتباعها؟ ما الذي يعني وفاته لجهود مكافحة الإرهاب والاستخبارات في المرحلة اللاحقة؟
 

رمز يقضي نحبه

 على الرغم من أن بن لادن لم يلعب أي دور يذكر من الناحية العملية -- إذا كان له دور كهذا على الإطلاق -- على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أنه كان وجه المنظمة وصوت تصوراتها المفاهيمية وإيديولوجيتها المتطرفة. وكما حدث بعد مقتل تشي غيفارا، سوف تظهر ملامح بن لادن ووجهه على القمصان والملصقات لفترة طويلة قادمة. وكونه أداة للدعاية وجمع التبرعات، قد يكون فعالاً في موته كما كان في حياته، على الأقل في المدى القريب. بيد، إن فقدان بن لادن هو أكثر من مجرد فقدان إسم مألوف، إنه ضربة كبيرة لمعنويات زعماء تنظيم «القاعدة» وجنوده من القاعدة الشعبية على حد سواء وزيادة كبيرة في معنويات الولايات المتحدة وحلفائها.
 

توترات داخل تنظيم «القاعدة» 


 
مما لا شك فيه أن نائب بن لادن، الطبيب المصري الذي تحول إلى إرهابي أيمن الظواهري، سوف يخلف بن لادن كرئيس تنظيم «القاعدة». وقد كان بن لادن قد أعرب علناً عن توقعه -- وأمله -- بأن يكون "شهيداً"، ومن المؤكد أنه وضع خططاً للخلافة منذ زمن طويل. وعلاوة على ذلك، لبعض الوقت يقوم الظواهري بإدارة العمليات اليومية للعناصر العاملة من مقر المنظمة في باكستان. وفي حين كان بن لادن رمزاً موحداً، إلا أن الظواهري هو شخصية مثيرة للخلاف بحيث أن صعوده إلى المركز الأول في التسلسل الهرمي لـ تنظيم «القاعدة» قد يعيد اشعال التوتر المتقد بين الفصائل المصرية واليمنية لـ تنظيم «القاعدة» وأعضاء وأتباع آخرين، وهي توترات لها تاريخ طويل داخل المنظمة.
 

ضربة للتصور المفاهيمي المتطرف


 
إن الأمر الذي يزيد من أهمية وفاة بن لادن هو حدوثها في أعقاب "الربيع العربي". لقد أظهرت الأعداد الكبيرة من المتظاهرين العرب أن أجندتهم لا تتبنى الايديولوجية العدمية لـ تنظيم «القاعدة» ونظرته للعالم. فلا ينظر الشرق الأوسط نحو تنظيم «القاعدة»، الذي لا يقدم بديلاً جذاباً للوضع الراهن، بل تجاه الإصلاحيين السياسيين التكنوقراط، الذين يقدمون برنامجاً ملموساً للتغيير على المدى القريب. وفي الواقع، في الأسابيع التي سبقت وفاة بن لادن، وجدت دراسة قام بها "مركز پيو للأبحاث" عن الرأي العام المسلمي في جميع أنحاء العالم عن وجود القليل من التأييد لزعيم تنظيم «القاعدة». وفي غضون أسابيع تمكن متظاهرون مسالمون نسبياً من إسقاط عدة حكومات عربية، وهو شئ فشل تنظيم «القاعدة» وأمثاله في إنجازه خلال سنوات عديدة من العنف العشوائي. ومع قيام بعض منظري «القاعدة» الأصليين بالتخلي عن دعمهم لأعمال العنف التي تتبعها الجماعة، فإن التصور المفاهيمي الراديكالي والفكر المتطرف لـ «التنظيم» بدآ يبدوان مشابهان بصورة أقل وأقل للطريق نحو النجاح. إن وفاة بن لادن تخلع منه هالة الرئيس غير المعرض للخطر الذي ينجح في التملص من الاستخبارات الغربية، في حين تستمر جماعته في القيام بهجماتها في جميع أنحاء العالم.
 

التهديد لا يزال حاداً


 
وحتى الآن، على الرغم من وفاة بن لادن، لا يزال تراثه يشكل تهديداً حاداً للغرب. فتنظيم «القاعدة» وأتباعه مثل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"، وكذلك المنظمات التي تدور في فلكه مثل «عسكر طيبة» والمتطرفين المحليين المستلهمين من التصور المفاهيمي والإيديولوجية المتطرفة لـ تنظيم «القاعدة» يستمرون في نياتهم، وقادرون، بدرجات متفاوتة، على القيام بهجمات إرهابية. وفي الواقع، إن التطرف والتجنيد قد تغيرا بشكل ملحوظ حتى أنه وفقاً لـ "مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لشؤون مكافحة الإرهاب" مارك جوليانو، هناك "الآلاف من المواقع الألكترونية المتطرفة التي تروج للعنف لجمهور منتشر في جميع أنحاء العالم ويميل بشكل إيجابي للرسالة المتطرفة، وهناك الكثير من هذه المواقع، وكذلك من مواطني الولايات المتحدة الذين يشاركون في التطرف من على شبكات الإنترنت". إن الداعين للتطرف الذين يخلقون البيئة التي يستعد من خلالها الناس إلى الميل للفكر المتطرف هم متنوعون جغرافياً وديموغرافياً. وأشار جوليانو، "لقد رأينا تطرفا بواسطة الإنترنت لأفراد هم في سن الأربعة عشر عاماً". وبغض النظر إذا كان بن لادن حياً أو ميتاً، فإن البعض من هؤلاء الإرهابيين المنظمين والمتطرفين المحليين الذين يمارسون العنف سيستمرون في إظهار العزم على اتخاذ خطوات عملياتية علنية، لتنفيذ أعمال ارهابية.
 

نصر لأجهزة الاستخبارات

 
لقد استغرق الأمر عشر سنوات، ولكن في النهاية تمكنت أجهزة الإستخبارات من تحقيق ما كان يخشى البعض بأنه من المستحيلات، وهو العثور على الإبرة في كومة قش. لقد ورد في وسائل الإعلام بأنه لم يكن في مخبأ بن لادن مجال للاتصال عن طريق الهاتف أو الإنترنت، ويفترض أن ذلك جاء في محاولة لحمايته من المراقبة الالكترونية التي اشتهرت بها المخابرات الغربية. ومن المفارقات، أن سقوطه قد حدث نتيجة "الاستخبارات البشرية" من المدرسة القديمة المتمثلة بالمخبرين، والذي أشارت بعض التقارير بأن من بينهم رسول أقدم وموثوق به في تنظيم «القاعدة». ويمكن لهذا النجاح أن يولد المزيد من النجاحات؛ ويعتقد المسؤولون، على سبيل المثال، أن الحملة المعاقِبة على المتشددين في "المناطق القبلية المدارة اتحادياً" في باكستان والمتمثلة بالقيام بهجمات الطائرات بدون طيار قد قوضت من ولائهم لـ تنظيم «القاعدة» وجماعات متشددة أخرى وساهمت في قدرة مسؤولي الاستخبارات على تجنيد الأصول والمخبرين. إن وفاة بن لادن هي أكثر من مجرد هزة عنيفة للشجرة: هي إسقاط أطول شجرة في الغابة

*مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات

copy_r