gulfissueslogo
البحرين
البحرين عند الموعد: هل تهبّ رياح الثورة العربية في الخليج؟
صحيفة السفير :14-02-2011

يقف المدّ الثوري العربي اليوم، عند مفصل دقيق ذي أهمية بالغة من الناحيتين الجيوسياسية والاجتماعية. فالموعد المضروب في 14 شباط 2011 للتظاهر ضد النظام البحريني، قد يتحوّل إلى نقطة انطلاق لمسيرة تغيير نظام عربي آخر، له رصيده من القمع والفساد، لكن في الخليج هذه المرة.
الإلهام تونسيّ، والزخم مصريّ. لأن الدعوة التي انطلقت على موقع «فيسبوك» سبقت اشتعال الثورة المصرية بأيام، وجمعت حتى مساء أمس ما يزيد عن 13 ألف مشترك، في بلد يبلغ عدد سكانه مليونا و234 ألفا و571 نسمة، يشكل البحرينيون منهم 568 ألفا و399 نسمة. ومن صفحة «ثورة 14 فبراير في البحرين»، أصدرت مجموعة اتخذت تسمية «شباب البحرين» بيانا رسميا للثورة حددت فيه مطالبها وخلفيتها. وأكدت فيه «نحن لا ننتمي لأي تنظيم سياسي أو ديني أو مذهبي أو طائفي، انتماؤنا هو حبنا ووطنيتنا لبلدنا الحبيب البحرين»، مشددة على الطبيعة «السلمية والحضارية» للتظاهرات والاعتصامات التي من المقرر لها أن تنطلق في كل ميادين البحرين.
وتتلخص مطالب التحرك الشبابي البحريني، بحسب البيان، بالآتي:
ـ «إلغاء دستور العام ٢٠٠٢ غير الشرعي والذي تم فرضه على الشعب بشكل غير قانوني، وحل مجلسي النواب والشورى».
ـ «تكوين مجلس تأسيسي من خبراء وكوادر الطائفتين السنية والشيعية لصياغة دستور تعاقدي جديد ينص على أن: الشعب مصدر السلطات جميعا، وأن السلطة التشريعية تتمثل ببرلمان يُنتخب كليا من الشعب، وأن السلطة التنفيذية تتمثل برئيس وزراء يُنتخب مباشرة من الشعب، وأن تكون البحرين مملكة دستورية، تحكمها أسرة آل خليفة ويمنع على أفرادها تولي مناصب كبيرة في السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، القضائية».
ـ إطلاق جميع الأسرى السياسيين والحقوقيين وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في اتهامات التعذيب وملاحقة ومحاسبة المسؤولين قانونيا.
ـ ضمان حرية التعبير، والكف عن ملاحقة الصحافيين قضائياً، ومنع حبسهم في قضايا النشر، وعدم التضييق على الإنترنت وفتح المجال أمام التدوين، واستقلالية هيئة الإذاعة والتلفزيون، وعدم تدخل الأجهزة الأمنية في عمل المؤسسات الإعلامية.
ـ ضمان استقلالية القضاء وعدم تسييسه.
ـ تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم التجنيس السياسي وسحب الجنسية البحرينية لمن ثبت حصوله عليها بشكل غير قانوني أو بسبب دوافع سياسية.
ويقول الناشط البحريني محمد المسقطي رئيس «جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان»، لـ«السفير» إن «مطالب الشباب الذين يتحركون على أسس وطنية وإنسانية بحتة، تتمثل في وقف الانتهاكات لحقوق الإنسان، وإجراء تعديلات دستورية»، مبرزا مطلب «انتخاب رئيس الوزراء». وبحسب الدستور البحريني حسبما أقر في العام 2002 محّولا البحرين من دولة إلى مملكة دستورية، إثر أعوام من الاحتجاجات على النظام السابق في التسعينيات، فإن رئيس الوزراء يعيّن مباشرة من قبل الملك. ومنذ استقلال البحرين في العام 1971، لم ينتقل هذا المنصب من عمّ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، المدعو خليفة بن سلمان آل خليفة الذي يتمتع بنفوذ كبير في البلاد.
إضافة إلى ذلك، تبرز الممارسات الأمنية للنظام في أوجه مختلفة، منها حملات الاعتقال ضد أكثر من 450 ناشطا سياسيا، وقيادة تزوير وتخريب لحملات معارضة خلال الانتخابات التشريعية في تشرين الأول 2010، واللجوء إلى وحشية في التعامل مع المعارضين والمحتجين، يشكل سلاح «الشوزن» رمزية قوية فيها. و«الشوزن» هو سلاح صيد مستخدم بشكل رائج في الخليج، تحتوي طلقاته على عدد كبير من الكرات المعدنية الصغيرة.
ويؤكد المسقطي لـ«السفير» أن القوى الامنية البحرينية استخدمت «الشوزن» ضد المتظاهرين في غير مناسبة، آخرها مساء أمس، في فضّ اعتصام سلمي في منطقة كرزكان، حيث تم اعتقال عدد من المعتصمين وضرب آخرين وإطلاق الرصاص عليهم.
ووجه «المركز البحريني لحقوق الإنسان» برئاسة نبيل رجب، رسالة مفتوحة إلى الملك دعاه فيها إلى «اجراء إصلاحات واسعة، لتجنب السيناريو الأسوأ»، بما يشمل «حلّ القوات الأمنية»، ومقاضاة مسؤوليها عن انتهاكاتهم لحقوق المواطنين، وإطلاق السجناء السياسيين والزعماء الدينيين. وحثّ رجب الملك على «تجنب الخطأ القاتل الذي ارتكبته السلطات المخلوعة في مصر وتونس» و«عدم محاولة سحق تظاهرات» اليوم، محذرا من أن مزيدا من الضغوط الحكومية سيؤدي بالبلاد إلى «الفوضى وحمام الدماء».
لكنّ السلطة البحرينية التي لم تتمكن ازاء المد الثوري العربي، من الهروب من ضرورة تقديم تنازلات، عمدت إلى تقديم منح بقيمة 1000 دينار بحريني لكل عائلة في البلاد، «لمناسبة الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني» التي تتزامن مع تظاهرات اليوم، فيما اعلن رئيس هيئة شؤون الاعلام البحريني الشيخ فواز بن محمد آل خليفة ان اغلاق المواقع الالكترونية المعارضة «بحاجة لاعادة نظر»، وذكر انه تم تشكيل لجان تضم ممثلين عن السلطات الاعلامية ورؤساء تحرير الصحف المحلية وممثلين عن جمعية الصحافيين البحرينية لبحث وضع لوائح تنفيذية ومناقشة تطوير الاعلام البحريني.
في المقابل، يؤكد المسقطي لـ«السفير» أن هذه التقديمات لن تثني البحرينيين عن النزول إلى الشوارع اليوم، نافيا أن يكون للتحرك المقرر أي خلفية مذهبية أو حزبية. ويشير المسقطي إلى الشعارات العديدة التي نشرت على موقع «فيسبوك» تمهيدا لـ«الثورة» البحرينية ومنها «لا شيعي ولا سني. بحريني»، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن تيارات قريبة من السلطة ستحاول تصوير التحرك الوطني على أنه مذهبي مرتبط بالطائفة الشيعية، التي تشكل بحكم الواقع نحو 70 في المئة من البحرينيين، رغم حملات «التجنيس السياسي» التي تقودها الحكومة.
أما عن توقعات المشاركة الشعبية في تحركات اليوم، فلا يجزم المسقطي بأي استباق للأحداث، لكنه يلفت إلى أن عددا كبيرا من الأحزاب أو «الجمعيات السياسية» غير المسجلة قد دعت بقوة إلى المشاركة، «وانقسمت الجمعيات المعارضة المعلنة بين طرف دعا إلى المشاركة بشكل مباشر، وآخر اعلن موافقته على مطالب شباب البحرين». ويرجح المسقطي ان تلجأ السلطات التي كثفت الإجراءات الأمنية في أنحاء البلاد أمس، ونشرت حواجز التفتيش الأمنية، إلى الاستخدام المفرط للعنف ضد المتظاهرين اليوم، «ما سيقابل بتصعيد من جهة المعارضين، وسيؤدي ذلك إلى انفجار داخلي خطير جدا»، يتخطى ما شهدته التسعينيات من عنف واسع.
هؤلاء الشباب البحرينيون، الذين يستنهضون شارعهم في محاولة لتغيير النظام، من دون المساس بـ«مقدساته الملكية»، يجتمعون حول قيم وطنية رافضة للفرز الطائفي، ويطالبون بحقوق للجميع لا تقتصر على فئة معينة، ويقفون عند موقع بالغ الحساسية في توازن القوى الإقليمية، حيث تستقر على شواطئهم قوات الأسطول الخامس لأميركا التي تعدّ النظام البحريني من بين حلفائها الأساسيين في المنطقة، فيما ينتصب موقع بوشهر النووي الايراني على السواحل الخليجية المقابلة لهم، مع العلم بأن المعارضة الايرانية دعت هي أيضا إلى تظاهرات اليوم، في طهران نفسها.
هذه المعادلة، قد تفرز اليوم أو غدا أو بعد حين، خطابا وطنيا بحرينيا متحررا من الفرز الطائفي ومعارضا للاستبداد السلطوي التاريخي من قبل الأسر المالكة في الخليج. لكنها قد تتحوّل سريعا إلى حمام دماء، بعد تطويق التحرك الشعبي، عبر إلصاق تهم المذهبية به، واتهامه بالعمالة لا سيما وأن مصطلح «الأجندات الخارجية» يبدو جاهزا ومعدا للاستخدام من قبل كل الأنظمة العربية المتعفنة، في وجه نهضة شعوبها. الرهان دقيق، وأمام البحرينيين مسلك محفوف بالانحرافات، تقابله احتمالات تغيّر جذري في الواقع الاقليمي إذا اشتعلت فوق ظهر العملاق السعودي، ثورة حرّة من الشرق.
وبترقّب لموقف الجار القطري وأسطوله الإعلامي، يحبس الوطن العربي أنفاسه مرة أخرى.

copy_r