فاجأت الثورة في مصر، العالم الغربي الحريص على ان يتخذ مواقف حذرة تجاه هذه
الانتفاضة المتسارعة في العالم العربي، مع اعادة تقييم علاقاته بقادة عرب من
اقرب حلفاء امريكا في المنطقة والذين يعارضون المد الديمقراطي بعناد، ويرى
مراقبون ان واشنطن تخلت عن الرئيس المصري حسني مبارك حليفها القوي واكبر داعم
لسياسات امريكا بالمنطقة وخاصة في حربها على الارهاب، فيما لم تخف دول الخليج
عامة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة تخوفهما
من انتقال عدوى الثورة الى دول خليجية، اضافة الى ان سقوط النظام المصري سيضعف
هذه الدول امام النفوذ الايراني المتنامي في المنطقة.
ومنذ سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في الرابع عشر من كانون الثاني
(يناير) الماضي، والسؤال الاكثر تداولا في اوساط المحللين والحكومات والافراد
العاديين هو 'على من الدور؟'.
وضاعفت العديد من الانظمة الحاكمة في العالم العربي المبادرات على امل منع
انتقال عدوى الانتفاضتين التونسية والمصرية، من خلال فتح الحوار مع المعارضة
والوعود بعدم الاستمرار في الحكم، الى الابقاء على الدعم المقدم للمواد
الغذائية. وتشترك دول عربية من المغرب إلى اليمن في كثير من الاوضاع مع مصر
فيوجد في الكثير منها اعداد كبيرة من الشبان العاطلين عن العمل وقيادات تحكم
قبضتها على السلطة والخضوع لحكم قوانين الطوارئ وجماعات معارضة تقول ان وقت
الديمقراطية حان.
ويعتقد بعض الدبلوماسيين والمحللين أن حكام الدول الخليجية عامة والسعوديين
خاصة سيصيبهم الانزعاج إذا تخلت الولايات المتحدة عن الرئيس المصري حسني مبارك
الذي ظل حليفا لواشنطن منذ تولى السلطة قبل 30 عاما شأنه في ذلك شأن الملوك
السعوديين المتعاقبين.
وقال سايمون هندرسون المراقب للشؤون السعودية في واشنطن 'السعوديون.. يشعرون
بأن الولايات المتحدة اخطأت عندما بدا أنها تخلت عن مبارك على نحو أسهل مما
ينبغي'. لكن السعوديين ربما يشعرون أن مبارك بعد أن أصبح ضعيفا وبسبيله لترك
الحكم لم يعد حصنا منيعا في مواجهة إيران الشيعية. وتساورهم مخاوف تفوق مخاوف
الولايات المتحدة من احتمال أن تسعى إيران لحيازة أسلحة نووية وهو أمر تنفيه
طهران.
ويرى السعوديون أن التوازن ربما يزيد اختلالا إذا أدى خروج مبارك الوشيك من
السلطة إلى فترة طويلة من عدم اليقين في مصر التي تتمتع بمنزلة كبيرة في العالم
العربي وخصم إيران القوي. ويقول محللون إن مصر التي تهزها احتجاجات مناهضة
لمبارك منذ 15 يوما ستركز على أزمتها الداخلية على أي الأحوال ولن يتسع لها
المجال لتعزيز جهود السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني.
وقال دبلوماسيون إن الرياض تخشى أيضا أن يؤدي أي فراغ دبلوماسي ناتج عن انشغال
مصر إلى أفساح المجال لدول مثل تركيا وقطر اللتين تسعيان إلى دور إقليمي أكبر
وتربطهما علاقات طيبة بإيران.
وقال دبلوماسي يعمل في الخليج 'ربما يتضاءل النفوذ السعودي بينما تضطلع دول
أخرى مثل قطر وتركيا اللتين لا تريدان أن تفرض عزلة على إيران بدور أكبر'.
ويقول المحللون إن السعودية ستواجه صعوبة كبيرة في العثور على حلفاء عرب يحلون
محل مصر في محور سني محافظ يتخذ جانب الحذر من إيران، فيما ترتبط سورية والعراق
بالفعل بعلاقات قوية مع طهران.
وربما يجعل ذلك الرياض أكثر حرصا على تحقيق الاستقرار في المملكة الأردنية
السنية التي تشهد أيضا احتجاجات في الشوارع، وقال المحلل الأمريكي باراك بارفي
'ربما تضخ السعودية المزيد من الأموال في الأردن'.
وتأتي الاضطرابات في مصر في وقت عصيب للعائلة الملكية السعودية. وكان العاهل
السعودي الملك عبد الله البالغ من العمر نحو 87 عاما قد سافر إلى الخارج للعلاج
في ديسمبر كانون الأول. وولي العهد الأمير سلطان الذي يصغره في السن قليلا مريض
أيضا.
والأخ الثالث وزير الداخلية الأمير نايف مرشح محتمل للعرش. ويقول دبلوماسيون إن
كل ذلك يجعل من الصعب على القيادة السعودية الطاعنة في السن التعامل مع اي
تغيير في مصر.
وكان الملك عبد الله قبل أسبوع أحد الزعماء العرب القلائل الذين أعلنوا
مساندتهم لمبارك. كما سمح بلجوء الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي
إلى المملكة.
وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت 'من الواضح
أن الولايات المتحدة تتخلى عن مبارك. لقد انتهت صلاحية نظامه'.
وأضاف أن ذلك بعث موجات من الصدمة إلى السعودية حليف واشنطن الاستراتيجي منذ
عام 1945. وتابع 'إذا مارست الولايات المتحدة ضغطا من أجل التغيير في مصر ستشعر
أسرة آل سعود الملكية بضغط في اتجاهها قريبا جدا'.
وترى دولة الامارات في مصر الحليف السني القوي لمواجهة تمدد النفوذ الايراني في
المنطقة، ولم يخف ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد قلقه من تغيير السلطة في
مصر، وشدد على اهمية ان تكون المرحلة الانتقالية في هذا البلد 'سلسة ومنظمة'،
في اتصال هاتفي مع الرئيس الامريكي باراك اوباما. والتقى الرئيس المصري حسني
مبارك وزير خارجية دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل
نهيان الذي سلمه رسالة من رئيس الامارات.
يأتي ذلك فيما ان قطاعا كبيرا من المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة،
يتوقع مشاركة الإخوان في الحياة السياسية رغم موقفهم المتطرف تجاه إسرائيل
ودعمهم لحركة حماس، وهو ما يدل على ان فزاعة الاخوان المسلمين التي كانت ترفعها
الانظمة العربية وخاصة دول الخليج لم تعد تنطلي على الدول الغربية.
وطالما قالت الحكومات العربية ان البديل الوحيد لحكمها القمعي جماعات إسلامية
محظورة يشيرون إلى أنها ستأتي إلى المنطقة بنظم حكم دينية على غرار النظام
الايراني.
وكذب انخراط شبان وعلمانيين وطبقة متوسطة متعلمة في الثورة المصرية فكرة ان
الإسلاميين يقودون القوى المعارضة في العالم العربي.
ويقول محللون انه سواء ذهب مبارك او بقي سيظل الجيش السلطة الحقيقية في البلاد
فيما وراء الكواليس إذ ظلت القوات المسلحة المصرية في قلب العمل السياسي منذ
اطاحتها بالحكم الملكي في عام 1952 .
ويرى جون شيبمان مدير عام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان فكرة ان
البديل الوحيد لمبارك هو الإسلاميون 'مقولة بالية'. ويقول 'ثمة امكانية لحكومة
تكنوقراط تضم جميع المواهب ... إذا ساندت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي
ذلك'. ويقول دبلوماسيون ان تحركا ناجحا نحو حكم رشيد افضل في مصر سيلهم تغييرات
مماثلة في دول عربية اخرى.
وقال شيبمان ان استمرار النفوذ العكسري ليس مبعثا للقلق بالضرورة. وتابع 'نعم
يمكن ان يمسك الجيش بالطوق ولكن سيمسك بطوق حكومة مختلفة تماما'.
واحد الاصوات الاكثر تشاؤما من وجهة النظر الديمقراطية الاكاديمي الامريكي
روبرت سبرينجبورج الذي لا يرى 'أي فرصة' لانهاء واشنطن عادة تكوين تحالفات مع
حكام مستبدين يدعمهم الجيش.
وقال سبرينجبورج استاذ شؤون الامن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية
الأمريكية ان الجيش يعمل في هدوء مع الغرب لابعاد مبارك عن السلطة مقابل ان تظل
هيمنته على النظام السياسي من خلف الكواليس. وتابع 'فوتنا فرصة تاريخية' مضيفا
ان قيام دولة علمانية ديمقراطية في مصر كان سيصب في مصلحة إسرائيل.