تملك دول التعاون حوالي 20 في المائة من احتياطيات الغاز المثبتة في
العالم. وبإضافة الغاز المكتشف في إيران والعراق، يرتفع الرقم في الخليج إلى 40
في المائة.
ولا يوجد أي منطقة في العالم تحمل مثل هذا الرقم. لكن لماذا تعاني دول المنطقة
من نقص في الغاز الذي يعيق من تنميتها الاقتصادية؟
يقول أدموند أوسوليفان رئيس تحرير مجلة ميد في مقاله الذي نشر اخيرا أن
المستثمرين لديهم خطط لصناعات تكرير وتسويق جديدة في السعودية، لكن الأخيرة لا
يمكنها ضمان الغاز الذي تحتاجه مشاريعها المقترحة. فالمملكة بالكاد تكفي نفسها
من الغاز. أما الكويت وعُمان والإمارات فتقوم على استيراد الغاز، والبحرين
لديها عقود لشرائه من الموردين. باستثناء قطر التي ليس لديها في الوقت الراهن
أي قلق حول الغاز بسبب وفرة الحقول التي تزخر به.
ويرى أوسوليفان أن أكبر لغز خليجي في الغاز هو العراق الذي يعد ثاني أكبر
احتياطي نفط في العالم. لكن ليس لديها ما يكفي من الغاز في الوقت الراهن لدعم
طاقة توليد الكهرباء. ويعتمد 90 في المائة تقريباً من كهرباء العراق على النفط
الخام والسوائل الأخرى. في غضون ذلك، يشتعل 700 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز
المصاحب.
وأصبح الافتقار إلى الغاز عائقاً أمام نمو الخليج. ويقول البعض ان السبب يعود
في ذلك إلى التخطيط السيئ وآلية التنفيذ الضعيفة. لكن أوسوليفان يرى أن هذه
التهم خاطئة إلى درجة كبيرة. فدول التعاون استثمرت لعقود في استكشاف واستغلال
احتياطياتها الهيدروكربونية. ووصل معدل إنتاج النفط في دول التعاون خلال العام
الماضي إلى أكثر من 14 مليار برميل يومياً.
والمشكلة أبسط مما يعتقد، لكنها ربما تأخذ منحاً أكثر جدية. فدول التعاون وكي
ترضي الطلب العالمي جعلت من استكشاف وإنتاج النفط أولوية على الغاز. والنتائج
حتى الآن كانت إيجابية بشكل رئيسي. ويصل إنتاج السعودية المستمر إلى أكثر من 12
مليون برميل يوميا، ومن المتوقع أن يصل إلى 15 مليون برميل يومياً في 2030. وهو
دليل على التفكير الإيجابي الكبير على المدى البعيد.
وكانت دول التعاون قد استثمرت بشكل ضخم في طاقتها الإنتاجية من النفط. لكن أربع
دول منها أعضاء في منظمة أوبك التي وجدت بالأصل لضمان عدم مبالغة الدول النفطية
في إنتاجها. وبالفعل نجحت هذه الاستراتيجية لكن العوائد على أصول إنتاج النفط
غالباً ما تغمرها العاطفة على حساب العقل.
واستراتيجية دول الخليج اتجاه الغاز لا يمكن أن تكون مغايرة. فمعظم دول المنطقة
حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي كانت تشعل الكثير من الغاز المصاحب للنفط
المستخرج. فالحصول على الغاز وإدخاله في عمليات وتوصيله للسوق العالمية دون
نظام توزيع بدا مكلفاً جداً. وتم تصدير القليل من الغاز البترولي المسال في
بادئ الأمر. لكن اتجاهاً جديداً بدأ في عام 1963 عندما أسست الكويت شركة
الصناعات البتروكيماوية لتحويل الغاز الطبيعي المصاحب إلى مخصبات. وهي المرة
الأولى التي تبرهن فيها دول التعاون على الاستفادة من قيمة استخدام الغاز
لتوفير منتجات ذات قيمة أعلى. والأساس هو في الحفاظ على أسعار الغاز منخفضة.
إلى هذا، اتخذت المنطقة خطوة تحسب لها في عام 1976 عندما تم تأسيس شركة سابك في
السعودية لتحويل الغاز المصاحب إلى بتروكيماويات ومخصبات وألمنيوم وستيل. وكانت
هذه الاستراتيجية مهمة. فالمملكة بوسعها استخدام الغاز الذي كان يهدر في السابق
توليد أرباح من تصديره، وتنويع اقتصادها، وخلق وظائف. وكانت سابك بمنزلة نقطة
تحول للمنطقة توازي الاكتشاف الأول للنفط العربي عام 1932.
من جهة أخرى، عزز الغاز الرخيص من الزيادة الهائلة في طاقة توليد الكهرباء.
ويمكن لمحطات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي أن تنتج ما يزيد على 80 ألف
ميغاوات من الكهرباء. وتهدف الخطط إلى تعزيز هذا الرقم ليصل إلى نحو 7 آلاف
ميغاوات سنوياً في غضون الأعوام المقبلة. ولولا الغاز الرخيص الذي يستخدم
لتوليد الكهرباء، لكان اقتصاد دول التعاون الذي يقدر بتريليونات الدولارات
مستحيلاً.
لكن نجاح برامج الكهربة والصناعات الثقيلة في المنطقة يعد السبب الرئيسي لمشاكل
الغاز. فشركات النفط الوطنية الخليجية تواجه معضلة. ومع إتخام أسواق النفط
العالمية بصورة كبيرة، يقول أوسوليفان أن هناك محفزات ضئيلة للاستمرار
باستثمارات النفط الخام الضخمة المطلوبة لتوفير المزيد من الغاز المصاحب.
ويعتقد رئيس تحرير مجلة ميد أن الخليج يملك الكثير من الغاز الذي يستطيع
استخدامه تصورياً، لكنه يفتقر إلى المحفزات لجعله متوافراً محلياً. ويرى أن
الفجوة بين الطلب على الغاز الخليجي والعرض ستزداد. وربما تشكل صداعاً للعالم
والمنطقة على حد سواء.