5-11-2010
اختتم امس المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية في جامعة قطر والذي عقد تحت عنوان "المجتمع المدنى في البلدان العربية" واستمر لمدة يومين بمشاركة باحثين من قطر والدول العربية في قاعة المؤتمرات بالادارة العليا بالجامعة. وقد تم منح جائزة ابن خلدون للعلوم الاجتماعية للدكتورين علي الكنز وبرهان غليون .
وتناولت جلسات العمل عرض 14 ورقة عمل تناولت كيفية ايجاد فرصة للتواصل بين
المفكرين والباحثين والعاملين في الميدان لتبادل الخبرات وعرض ومناقشة نتائج
الأبحاث والدراسات التي قاموا بها حول موضوع "المجتمع المدني" ومناقشة الأطر
النظرية والمداخل المنهجية المتنوعة المعتمدة في مثل هذا الحقل من الدراسات
الاجتماعية، ومدى ملاءمتها لخصوصيات الأوضاع العربية .
وتقدمت الدكتورة . كلـثم الغــانم أستاذ مشارك في علم الاجتماع بجامعة قطر
بورقة عمل تحت عنوان " القبيلة مقابل المجتمع المدني: فرص وجود مجتمع مدني في
بلدان الخليج العربي".
وتعالج الورقة موضوع القبيلة برؤية جديدة تبحث في الفرص التي يمكن أن تدعم تشكل
مجتمع مدني في المنطقة رغم المفارقات التي تفرضها القبيلة بوصفها مكونا
اجتماعيا من صنف الوحدات الاجتماعية التضامنية العضوية التي قد تمنع ببنيتها
وأيديولوجيتها وقيمها الاجتماعية تشكل الوحدات التضامنية الكبرى غير العضوية أو
الطوعية مثل الجماعات المهنية والطبقات الاجتماعية.
فالقبيلة تقوم على الانتماءات المجزأة والمنشطرة حسب علاقات القرابة والدم
وربما الأحلاف القائمة على المصاهرة، وهذه كلها تساهم في تذري الجسم الاجتماعي
وتجزئة الولاءات الجمعية وتحول دون تبني مفهوم المواطنة وما يتضمنه من قيم
المساواة في الحقوق والواجبات والمسؤولية الاجتماعية التي تعتمد على وحدات أكبر
من القبيلة.
يتلخص هدف الورقة في التساؤل عن إمكانية قيام القبيلة كمؤسسة اجتماعية تمثل
جزءًا من واقع الحال في المجتمعات العربية عموما، وفي بلدان الخليج العربي
خصوصا، بدور فعال في الاندماج مع مكونات المجتمع المعاصر كخطوة أولى تمهد لظهور
مؤسسات المجتمع المدني الحديثة، بمعنى آخر هل يمكن أن تشكل القبيلة في مجتمعات
الخليج العربي جسر عبور يقطع من خلاله الأفراد المسافة الفاصلة بين المؤسسات
التضامنية القديمة والتنظيمات الاجتماعية الحديثة القائمة على علاقات جديدة ذات
طبيعة طوعية وتعاقدية، أم أن هذه البنى الاجتماعية والعلاقات التي تميزها
متعارضة بحيث تنفي الواحدة منها الأخرى.
حقوق الانسان
اما الدكتور صلاح المناعي استاذ مساعد بقسم العلوم الاجتماعية فتحدث في ورقته
عن المجتمع المدني وحقوق الانسان في البلاد العربية وبين خصائص ومهام منظمات
المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وقال ان هناك خصائص عامة لابد أن تتمتع بها منظمات المجتمع المدني بصورة عامة،
كما أن هناك خصائص إضافية يستوجب ضمان وجودها لدى المنظمات العاملة في مجال
حقوق الإنسان بشكل خاص.
ومن أبرز الخصائص:البناء المؤسسي الذي يضمن التحقيق الأمثل لأهداف المنظمة.
الاستقلالية كشرط أساسي لتمكين المنظمة من تحقيق أهدافها، ويقصد بالاستقلالية
استقلال هيئاتها المالية والتنفيذية عن الإدارة الرسمية للدولة.
بالإضافة الى المرونة والقدرة على التكيف مع التطورات في المجتمع أو البيئة
التي تعمل بها.
والعمل التطوعي الذي يساعد على استغلال الدعم والموارد المالية بالشكل الأمثل.
وعدم السعي إلى جني الأرباح المالية وتوزيعها على المنتسبين إليها أو القائمين
عليها.
والتجانس بين العاملين في هذه المنظمات من حيث التوافق على الأهداف، ولا يعني
ذلك عدم الاختلاف أو التعددية.
الى جانب المصداقية، حيث تستمد هذه المنظمات شرعيتها من ثقة الناس بها وبدورها.
والشفافية، من حيث وضوح ومشروعية أهداف المنظمة ومصادر تمويلها وطبيعة تنظيمها.
أما الخصائص الخاصة بمنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الانسان فهناك
عناصر أساسية لابد من توافرها ومنها:
الاعتماد على المعلومات الموثوقة والدقيقة والحديثة التي تعكس واقع حقوق
الانسان في الدولة بشكل موضوعي غير مبالغ فيه.
التواصل مع الحكومة كأداة أساسية تمكن المنظمات من الحصول على المعلومات وإحداث
التغييرات في سبيل تعزيز وحماية حقوق الانسان. وبالتالي التمثيل أو انضمام
الأعضاء الى المنظمات لضمان تمثيل أوسع لها في مختلف مجالات التعاون مع
المنظمات الأخرى المشابهة ما يتيح الاستغلال الأمثل للمصادر والحد من
الازدواجية في العمل.
جذب اهتمام وسائل الاعلام المختلفة وتأكيد دورها في مجال تعزيز الوعي بحقوق
الانسان واحترام سيادة القانون لضمان عدم التعرض إلى أي انتقاد أو تدخل من قبل
أي جهة، وضرورة احترام قوانين الدولة التي تعمل بها المنظمة والمرونة، وتعدد
وسائل التعبير من الحوار الدبلوماسي إلى تشكيل جماعات الضغط وتنظيم المسيرات
وإصدار التقارير تبعاً لطبيعة الانتهاك و الموضوعية في تحديد الأهداف على ضوء
الظروف العامة واختيار التوقيت المناسب للدفاع عن قضية محددة وأخذ اتجاهات
الرأي العام حولها بعين الاعتبار.
وتطرق الدكتور المناعي الى الادوار الرئيسية لمنظمات المجتمع المدني في مجال
حقوق الانسان وتحدث عن التحديات والمعيقات وقال ان أهم التحديات التي تعترض
طريق منظمات المجتمع المدني في سعيها للنهوض بمسؤولياتها تتمثل في الثقافة
السائدة التي تحكم نظرة مؤسسات الدولة تجاه المنظمات غير الحكومية.
وبالرغم من أن الدولة قد أخذت تنظر الى منظمات المجتمع المدني كشريك لها وشرعت
في التعامل معه على هذا الأساس ، الا أنها على الصعيد العملي الواقعي ماتزال
تنظر الى هذه المنظمات نظرة توجس وحذر، وتخضعها للمراقبة ، وتقيد نشاطاتها من
خلال فرض تشريعات وإجراءات تهدف الى ضبط حركتها تحت سقف السياسات الرسمية. من
الأمثلة على ذلك تدخل بعض الجهات الحكومية المختصة في نتائج انتخابات الهيئات
الإدارية لمنظمات المجتمع المدني، واتخاذ قرارات بحل منظمات أخرى دون سابق
إنذار.
وبين ان المجتمع المدني في العديد من بلدان العالم الثالث يواجه عدداً من
التحديات والمعيقات التي لابد من ايلائها اهتماماً خاصاً والتي تتلخص بالقضايا
التالية: الديمقراطية والحكم الصالح، الاستدامة، ضعف الدور السياسي، التحالفات
الوطنية.
الديمقراطية والحكم الصالح :
بالرغم من كون المجتمع المدني دعامة رئيسية للتحول الديمقراطي والانفتاح
السياسي، الا أن العديد من منظمات المجتمع المدني تفتقر الى الديمقراطية
ولمبادىء الإدارة الرشيدة والحكم الصالح كالمشاركة والمساءلة والشفافية، ويتجلى
ذلك في مظاهر عديدة منها غياب الانتخابات الدورية التنافسية واختيار القيادات
بالتزكية، ضعف قاعدة العضوية في العديد من منظمات المجتمع المدني بما في ذلك
الأحزاب السياسية، إلزامية العضوية في قطاع كبير من قطاعات المجتمع المدني
كالنقابات المهنية مقابل مبدأ الطوعية، عدم ممارسة الهيئات العامة للمجتمع
المدني الصلاحيات المخولة لها.
واشار ان الاستدامة تعتبر التحدي الأبرز أمام منظمات المجتمع المدني، إذ أن
أعداداً كبيرة من منظمات المجتمع المدني في بعض البلدان ولاسيما الجمعيات
الخيرية والهيئات الاجتماعية والمنتديات الثقافية تظهر وتنشط لفترة قصيرة ثم
تختفي.
ضعف الدور السياسي:
وأكدت الورقة أن منظمات المجتمع المدني يتنازعها تياران مستقلان أولهما مقاومة
اتخاذ أي موقف سياسي، والآخر استغلال صفتها المهنية كواجهة لممارسة العمل
السياسي، وقد يعزى السبب في ذلك الى أن الحكومات قد سعت في بعض البلدان الى منع
نشطاء الأحزاب من الحصول على مناصب قيادية في منظمات المجتمع المدني كالنقابات
العمالية والجمعيات الخيرية والهيئات الثقافية والرياضية.
واضافت بالرغم من انضواء معظم قطاعات المجتمع المدني في العديد من البلدان تحت
شبكات إقليمية أو دولية، الا أن جهودها في اقامة تحالفات وشبكات وطنية كانت أقل
نجاحاً، وقد يعود السبب في ذلك الى هيمنة الأشكال التقليدية من المظلات الوطنية
مثل الاتحادات العامة التي تجمع منظمات متشابهة كالنقابات العمالية والجمعيات
الخيرية والهيئات المهنية، وعجزت منظمات حقوق الانسان والتنمية الديمقراطية عن
القيام بدورها في بلورة صيغة للعمل المشترك رغم حاجتها الى ذلك من أجل حماية
نفسها أمام الضغوط الحكومية، أو للنهوض بأعباء مراقبة حقوق الإنسان بالتعاون مع
المنظمات المشابهة.
اما معوقات قيام شراكة فاعلة بين منظمات المجتمع المدني والحكومات فتتمثل بما
يلي:
أ- تعدد المرجعيات المعنية بتسجيل المنظمات غير الحكومية من هيئات وجمعيات
اجتماعية، واختلاف أنماط الرقابة والإشراف الرسمي عليها.
ب- قدم التشريعات المنظمة لعمل الجمعيات، وهي بحاجة الى تعديلات جوهرية
استجابة لمتطلبات المعايير الدولية المنظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني.
ج- ضعف القدرة على الابتكار والتجديد في صياغة الأهداف ووسائل العمل.
د- ضعف أشكال التنسيق والتعاون بين المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية من
جهة، وبينها وبين المنظمات غير الحكومية الدولية والأجنبية من جهة أخرى، مما
يشكل عائقاً أمام امكانية انتشار تلك المنظمات ويقلل من كفاءتها التنفيذية.
ونوه الدكتور صلاح المناعي في ختام ورقته ان دولة قطر في دستورها قد نوهت في
المادتين 44و 45 على حق التجمع والحق في تكوين الجمعيات اضافة الى القانون رقم
12 لسنة 2004م المتعلق بالجمعيات الخاصة والجمعيات المهنية فضلا عن انشاء
العديد من منظمات المجتمع المدني المعنية بحماية حقوق الانسان والتنمية في قطر.
مؤسسات المجتمع المدني في قطر.
وتقدمت الدكتورة وسام العثمان أستاذ مشارك في قسم العلوم الاجتماعية برنامج علم
الاجتماع بجامعة قطر ورقة عمل بعنوان "حالة المجتمع القطري" وتقول أصبحت
الجمعيات الأهلية اليوم في دول مجلس التعاون من أهم المؤسسات المشاركة في عملية
التنمية بعد أن فرضت إسهاماتها المختلفة على مؤشرات التنمية البشرية.
وقد فرضت توجهات السلطات العليا في دول مجلس التعاون تيسير كل متطلباتها
اللازمة لخلق بيئة مناسبة تتلاءم والجمعيات الأهلية من خلال تطوير تشريعات
قانونية وبتوفير الدعم الفني والمادي وكذلك الشراكة معها في تنمية المجتمع.
وعادة ما يقاس نجاح عملية التنمية في المجتمع من خلال قدرات المجتمع المدني
وتمكنه من الاشتراك في هذه العملية سواء بوضع البرامج أو تنفيذها عن طريق
مساهمة المستهدفين للتعرف على حاجاتهم وبالتالي وضع السياسات الاجتماعية
المناسبة لها في إطار الشراكة مع الدولة. وفي هذا السياق قدمت ورقة العمل واقع
العمل الأهلي في المجتمع القطري عن طريق وصف وتصنيف الجمعيات الأهلية حسب طبيعة
عملها سواء كانت خيرية أو ثقافية أو توعوية أو مهنية أو نسائية أو فئوية، مع
توضيح أهم المعوقات والتحديات التي تواجهها سواء كانت هذه التحديات على المستوى
الفردي والمؤسسي أو على مستوى الدولة، وذلك بعد الإشارة السريعة إلى تاريخ
العمل الأهلي بالمجتمع القطري في الفترة ما قبل اكتشاف البترول .
وأخيرا حاولت الورقة الإجابة على هذا التساؤل: هل توجد مؤسسات مجتمع مدني في
المجتمع القطري؟
وتناولت الدكتورة فاطمة الكبيسي أستاذ مساعد علم الاجتماع بقسم العلوم
الاجتماعية جامعة قطر في ورقتها بعنوان "الدولة وتنظيمات المجتمع المدني في
المجتمعات العربية الأبعاد الداخلية والخارجية" العلاقة بين الدولة وتنظيمات
المجتمع المدني في المجتمعات العربية باختلاف أقاليمها، من خلال تحليل طبيعة
الارتباطات والصلات الموجودة فعلا أو الممكنة بين الدولة وتنظيمات المجتمع
المدني وتأثير طبيعة النظام السياسي وآلياته ونمط السلطة على نمو وتطور تنظيمات
المجتمع المدني.
وتحاول هذه الورقة التعرف على طبيعة تلك العلاقة بين الفضاء السياسي المتمثل
في الدولة والفضاء الاجتماعي المتمثل في تنظيمات المجتمع المدني.
فقد اختلفت الآراء حول طبيعة هذه العلاقة، فهناك من يرفض سلطوية الدولة على هذه
التنظيمات، بينما يرى آخرون أهميتها في تحقيق الاستقرار السياسي للمجتمع.
وفي ضوء اختلاف الآراء والتباس العلاقة (تضارب وصراع أم تكامل وتساند)، تناقش
هذه الورقة تلك العلاقة من خلال التطرق إلى أثر المتغيرات المستجدة في المجتمع
العربي الداخلية المتمثلة في التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
والمتغيرات الخارجية المتمثلة في العولمة والنظام الدولي على علاقة الدولة
بتنظيمات المجتمع المدني العربي، كما تتناول التأثير الذي مارسته تلك المتغيرات
على نمو وتطور تنظيمات المجتمع المدني كطرح قضايا جديدة على أجندة هذه
التنظيمات ومدى تأثير ذلك التطور على طبيعة علاقتها بالدولة.
اما الدكتور محمد أبو العينين أستاذ مشارك ورئيس قسم علم الاجتماع بجامعة
الإمارات العربية المتحدة تقدم بورقة عمل بعنوان " المجتمع المدني وتحديات
التحول الديمقراطي في مصر".
وقال انه أصبح من الراسخ أن التحول نحو الديمقراطية في بلدان العالم النامي
يتطلب فواعل اجتماعية وسياسية يعتبر المجتمع المدني أحدها بامتياز.
وقدم د. على الكنز المستشار العلمي بمعهد البحوث المتقدمة بجامعة ناننت
الفرنسية بورقة عمل بعنوان" المجتمع المدني في العالم العربي: تساؤلات" حيث أكد
أن تشكيل المجتمع المدني قد تحقق أساسا ضد الدولة، من خلال شكلين من التعبير
والتمثيل، مرتبطين ببعدين متمايزين من الحياة الاجتماعية: يتعلق الأول بمجال
النشاط الاقتصادي والاجتماعي، المستقل بنمط نشاطه، والثاني بالهوية الثقافية،
والأخلاق والدين.
تجاه عمل الدولة، جاء رد فعل كلا الشكلين وفق زمنية ومنطق مختلفين، جاء أحيانا
في شكل معارضة مأساوية كما حدث في الجزائر، وفي معظم الأحيان في شكل نشاط مواز،
في كنف التجاهل المتبادل.
وأضاف انه بعد أن شكل الأول المجال الأساسي للصراع بين المجتمع المدني والدولة،
أخلى، تدريجيا، الساحة للثاني الذي حاول القيام بمناورة ترمي إلى سلبه الرهانات
الخاصة به، أي باختصار، إحلال الشريعة محل الديمقراطية. ربما يكون حل هذه
المعادلة ذات الطرحين مستحيلا، غير أنه حل سيظل، في رأينا، المفتاح الذي يسمح
بأقل الحلول ضررا بالنسبة للمجتمعات المغاربية.
واشار إلى تجربة بلدان الخليج، التي اتخذ نفوذها، المستهان به أول مرة، أهمية
أساسية منذ الثمانينيات، وطوال الحروب التي هزت هذه المنطقة من العالم العربي:
فلسطين دائما، حرب العراق مع إيران، اجتياح الكويت، حرب الخليج، حرب أفغانستان،
الحرب ضد العراق، واليوم الحرب ضد "الإرهاب" كل هذه الحوادث، زيادة على
التغيرات الهيكلية التي أفضت إليها، قد أفرزت تأثيرات هامة في تحريك الجبهة
الثانية وهي "الجبهة الثقافية"، وهي دينية هنا، وتنافس الآن، في قدراتها
التعبوية وقيادة المجتمع المدني، الجبهة الأولى "الاقتصادية والاجتماعية."
الراية القطرية