يجدر بنا أن نشير إلى حقيقة مهمة، وهي ما مدى ما حققته الاتفاقية الاقتصادية
للدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الموقعة عليها؟ ذلك أن هذه الاتفاقيات تمثل
القاعدة التي يرتكز عليها التعاون الاقتصادي بين هذه الدول.
وأهم الأهداف المعلنة لهذه الاتفاقية إيجاد سوق اقتصادية مشتركة تتلاشى فيها
الفروق الصعبة ويتساوى فيها المواطن في الحقوق والواجبات.فهل تحقق هذان
الهدفان؟ والأهم من ذلك هل يشعر المواطن بالمواطنة الحقة عندما يتنقل بين الدول
الست من حيث المعاملة سواء في الصحة والتعليم والعمل وفي الأنشطة التجارية
والمهن الحرة؟ وهل تتماثل الأنظمة والقوانين والتشريعات؟ وهل للتشريع الكلي
الفوقية القانونية، بمعنى، هل هناك سيادة للتشريعات التي يضعها المجلس على
التشريعات المحلية؟ هذا متروك للمواطن العادي أن يجيب عنه. أما أهم ركائز هذا
السوق:
1- تعرفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي وإلغاء أي تعرفة على المنتجات ذات
المنشأ الوطني.
2- إيجاد نظام جمركي متطور.
3- المساواة في المواطنة.
4- إيجاد وحدة نقدية.
5- إيجاد وسيلة مرنة للتنقل بين دول المجلس.
6- حرية تنقل رؤوس الأموال وتسهيل الاتصال بين الدول.
ما بين أيار (مايو) 1981 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2010 نحو ثلاثة عقود تم خلالها
توقيع عدة اتفاقيات وسنت العديد من التشريعات واتخذت آلاف القرارات بل وعقدت
مثلها من الاجتماعات، ولكن المراقب والمتابع لأعمال المجلس سيلاحظ بطء العمل في
المجلس ولو أخذنا مثلاً النقطة الرابعة الخاصة بالوحدة النقدية فإن من المحتمل
أن تبدأ 2011 كما يصرح بها المسؤولون، لكن المطّلعين يرون صعوبة تحقيق ذلك،
نظراً للتطورات الأخيرة التي حدثت في الاقتصاد العالمي من جهة ولأن التجارة
البينية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من التجارة العالمية مع دول المجلس، كما أن
معظم فوائض النفط المقدرة بآلاف المليارات من الدولارات تتجه إلى خارج المنطقة،
بينما تغرق دول المجلس في بحر من الاستثمارات الأجنبية. فما الذي ستفعله الوحدة
النقدية الخليجية أمام الدولار المنتعش واليورو المتذبذب وكل تجارتنا الصادرة
والواردة تقيّم بهاتين العملتين؟ فهل هناك قاعدة صلبة ستقف عليها العملة
الخليجية"؟ وهل سترتبط بالدولار أم باليورو؟ مع العلم أن اقتصادات دول المجلس
اقتصادات ريعية تعتمد على ريع النفط والغاز بشكل كبير وهو يقيّم بالدولار في
السوق العالمية.أما النقطة الثالثة التي ذكرتها وهي المساواة في المواطنة
وبالرغم من كل القرارات التي تؤكد عليها إلا أن التطبيق يعتريه أمران:
1- المحلية الضيقة.
2- الروتين المعطّل وعدم المتابعة أو عدم وجود جهة محايدة تتابع تنفيذ هذه
القرارات وتتلقى الشكاوى والتظلمات من سوء تنفيذها. وأي مواطنة نتحدث عنها في
ظل:
1- خلل كبير في التركيبة السكانية. 2- تمتع الوافد بمزايا أكبر مما يتمتع به
المواطن في ظل مداخيل فردية متدنية لا تقابل تضخم المداخيل العامة.
ولو نظرنا لاتجاهات التنمية فسنجدها موجهة لخدمة الوافد الذي يمثل في دول
الخليج مجتمعة ما نسبته 56 في المائة من عدد السكان، فخدمات الصحة والتعليم
والمواصلات والاتصالات والإسكان والاستهلاك موجهة لا للمواطن بل للوافد.
في بعض دول الخليج نجد أن المشاريع الإسكانية والسياحية يتمتع بها الوافد الذي
تكفل له الشركات التي يعمل فيها سكناً مجانياً ورعاية صحية وتعليمية مجانية
وتنقلاً مجانياً وفوق هذا وذاك راتباً مجزياً كبيراً، في الوقت الذي يئن فيه
المواطن تحت وطأة الغلاء والديون والتضخم المعيشي.
لا أحد ينكر الجهود المقدرة التي تبذلها هذه الدول في تحسين أحوال المواطن
لكنها حلول وقائية لا تعالج أس المشكلة. فلو سلمنا أن عدد سكان دول المجلس
مجتمعة 26 مليون نسمة وأخذنا متوسط المواطنة فإننا نجد أن عدد الوافدين في دول
المجلس سيزيد على 16 مليونا ما نسبته 56 في المائة (وفق إحصائيات عام 2008م)
وهذه أرقام ونسب عالية على المفهوم الاقتصادي والاجتماعي والأخطر السياسي
والأمني.
وإذا أخذنا في الاعتبار مليارات الدولارات (140 مليار دولار سنوياً) التي
تحولها العمالة الوافدة إلى دولها المنشأ فيكفي أن نعلم أن الهند هي الدولة
الثانية التي تستقطب تحويلات العاملين بالخارج التي تتجاوز الـ25 مليار دولار
سنوياً وقد أحسنت الهند استخدام هذه التحويلات لتتحول إلى أكبر قاعدة
للتكنولوجيا وصناعتها، أما دول المجلس فإن معظم مشاريعها (بريستيج) لا يستفيد
منها المواطن العادي كثيراً.
نعم نجحت دول الخليج في المجال التعليمي، حيث أدخلت التقنيات الحديثة كما
استجلبت خبرات واسعة ووسعت بل نوعت في مخرجات التعليم. كمــا نجحت في تحسين
الخدمات الصحية ووصلت إلى أرقى المستويات لأنها شجعت البحوث العلمية من خلال
المراكز والمعاهد والمختبرات المتطورة. لكن تبقى مشكلة الخلل في التركيبة
السكانية تؤثر كثيراً في المواطنة إذا لم تأخرها أو لم تعطلها بما تفرزه من
مشاكل صحية واجتماعية وسياسية.وللأسف الشديد لا توجد استراتيجية موحدة تحكم
نظرة هذه الدول للتنمية مدخلاتها ومخرجاتها، فلكل دولة استراتيجيات سيادية.
دول المجلس بحاجة إلى إعادة التفكير في المستقبل .تفكير دائم قائم على الواقع
وتغييره لا على علاجه بحلول مؤقتة.الكل يعلم أن دول المجلس الست تعتمد وبشكل
أساسي على سلعة واحدة ناضبة متقلبة هي النفط وهناك جهود عالمية في إيجاد طاقات
بديلة بالرغم من صعوبة وبطء النتائج وارتفاع تكلفة إنتاج هذه الطاقة.والمهم
لدول المجلس أن توجد بدائل أو مصادر أخرى تدعم المصدر الرئيسي للدخل من النفط
والغاز.ولقد سعت بعض الجهات المسؤولة في دول الخليج إلى تطوير الوسائل البديلة.
حيث استطاعت أن توجد مصادر أخرى وفتحت أبوابها للاستثمارات الأجنبية من خلال
برامج وحزم منوعة تتمثل في العقار أساساً ونجحت في استقطاب استثمارات كبيرة على
الأرض.ولكن هذه الثورة السياحية والإعمارية خلقت مشاكل متعددة منها الغلاء
والازدحام.وأصبحت بعض مناطق الخليج من أغلى بقاع العالم ومع ذلك فإنها نجحت
كذلك في تطوير أساليب التعليم والإدارة العالمية.
نحن أمام مشكلة عصية تحتاج إلى قرار جريء يعالج هذا الخلل، وإلا فإن النتائج
النهائية ستؤثر في الوضع الطوبوغرافي للمنطقة.وإذا أخذنا هذه الإخفاقات - إذا
اعتبرناها كذلك - فهي محسوبة على الاتفاقية الاقتصادية التي لم تنجح في إكمال
أسس الوحدة الاقتصادية التي تبدو بعيدة المنال بعداً واقعياً وليس نظرياً. وكما
شهدنا تدهوراً في الأسواق العالمية وانهيار أكبر وأعرق المؤسسات المالية في
العالم وتدني أسعار النفط الذي خسر ما بين 30 و40 في المائة من أعلى قيمة وصل
إليها البرميل هي 140 دولارا والآن يترنح ما بين 70 و80 دولارا للبرميل الواحد،
إضافة إلى تذبذب العملات الرئيسة في العالم وعدم الاستقرار السياسي في مناطق من
العالم وتوجيه فوائض الخزانات في أمريكا وأوروبا واليابان لدعم اقتصاداتها
المترنحة وبعضها لدعم الجهد الحربي في أفغانستان والعراق وبعض مناطق العالم،
مما تسبب في خلق الارتباك في أكبر اقتصادات العالم وستحتاج دول مثل أمريكا التي
ستضخ 700 مليار دولار لإنقاذ اقتصادها المريض، وكذلك بالنسبة لبريطانيا التي
ضخت 40 مليار دولار لإنقاذ بنك إنجلترا ومثلها اليابان. ستحتاج هذه الدول
لسنوات عديدة لفترة (نقاهة) لتتعافى من أزمة مالية خانقة ألمت بها.هذا إذا
أضفنا أزمات اليونان وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا.
ألا يؤثر ذلك في اقتصادات دول مجلس التعاون التي تعتمد على السوق الأمريكية
والسوق الأوروبية بشكل كبير؟ وهل سيضخ المستثمرون الخليجيون مئات المليارات في
هذه الأسواق لإنقاذها كما حدث في الأزمة السابقة؟ حالة الارتباط هذه لن تنأى
عنها منطقة الخليج التي تئن هي الأخرى تحت وطأة الهاجس الأمني فمن مهدد بقلب
الموازين في المنطقة وإغلاق مضيق هرمز إلى تفكير بشق قناة موازية للخليج تختصر
المسافة إلى خليج عمان مباشرة في مشروع تقول التقارير إنه سيكلف نحو 200 مليار
دولار.كل ذلك يؤكد حالة الخوف والهلع وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي مما
يؤكد الحاجة لجمع الجهود المبعثرة وتفادي كل ما من شأنه زعزعة أمن واستقرار
المنطقة التي بقيت هادئة حتى الآن.حقاً إن التركيبة السكانية ليست هاجساً بل
قنبلة موقوتة أو سياج هش.