لو كان للكائنات الفضائية أن تطّلع على ما كشفته تسريبات "ويكيليكس"
الإثنين الماضي بشأن الشرق الأوسط، لكانت استنتجت أن الولايات المتحدة
الأميركية وإيران هما القوتان العظميان في العالم. فالتهديد الإيراني يهيمن على
المناقشات الدبلوماسية الأميركية. ويخيّم القلق الأكبر على نفوس القادة السنّة
العرب، ولاسيما هؤلاء في المملكة العربية السعودية، فيشجعون الولايات المتحدة
في مجالسهم الخاصة على إنزال العقاب العسكري بإيران الشيعية.
حتى اليوم، نجحت إدارة أوباما في تجنّب هذه النصيحة على نحوٍ جدير بالإعجاب.
وهي عوضًا عن ذلك استخدمت صفقة بيع أسلحة أبرمتها مؤخرًا مع المملكة العربية
السعودية بقيمة 60 مليار دولار أميركي، إلى جانب صفقات أخرى بقيمة مليارات
الدولار مع الإمارات المتحدة العربية وسلطنة عمان والكويت، لتطوير إستراتيجية
الاحتواء العسكري.
إلا أن هذه المقاربة تتجاهل واقع أن قوة إيران تكمن بشكلٍ أساسي في نفوذها
السياسي وليس في براعتها العسكرية. لا تبلغ ميزانية طهران العسكرية حتى ربع
ميزانية منافستها في المنطقة المملكة العربية السعودية. إلا أن قوتها الناعمة
إلى جانب دعمها الميليشيات قد يزعزعان الحكومات التي تتفوق كثيراً عليها
بجيوشها ، كما تبيّن للولايات المتحدة الأميركية في العراق.
تكشف تسريبات "ويكيليكس" أن المسؤولين العرب يعتقدون فعلاً بأن إيران مخادعة
وخطيرة. ولعلّ هذا الشعور متبادل. لكن التسريبات هذه تخفي ربما مسألة شائقة وهي
التساؤل عن نوع الحكم في إيران الذي يخدم مصالح دول الخليج على أفضل وجه.
قد لا يحظى الرئيس محمود أحمدي نجاد والجمهورية الإسلامية بالشعبية الواسعة، لا
بل يحصدان كراهية واسعة النطاق، لكن نشوء دولة إيرانية أكثر تقدمية وديمقراطية
سيمكّن طهران من أن تخرج من العزلة التي أنزلتها بنفسها إلى حدٍ كبير وأن تدرك
قدرتها المهولة. في لعبة السياسة في الشرق الأوسط حيث لا غالب ولا مغلوب، تطرح
إيران الديمقراطية تحديات واسعة على دول الخليج العربي.
واليوم لم تصل إيران بالطبع إلى مصاف القوة العظمى بأي معيار كان. فالاقتصاد
الإيراني يشوبه سوء إدارة مستوطن، والميزانية العسكرية الإيرانية لا تشكّل حتى
2% من الميزانية العسكرية الأميركية. وباستثناء كوريا الشمالية وفينيزويلا
وسوريا، لم تنسج إيران أي حلف استراتيجي موثوق سوى مع قلة قليلة من البلدان.
والحال أنه فيما تظهر إيران أكثر فأكثر على شاشة الساحة العالمية، يبدو أن
وتيرة ضمورها الداخلي تتسارع. لقد بلغ السخط الملموس للشباب الإيراني
أوجه بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في العام 2009، أجبرت الانشقاقات
الداخلية المتعمقة النظام على الاعتماد على الإكراه والترهيب بهدف الحفاظ على
سلطته.
لكن يصعب إرساء استقرار طويل الأمد في العراق وأفغانستان ودول المشرق والأراضي
المقدسة في غياب التعاون مع إيران. وفي الوقت نفسه، يبدو أن السلام والازدهار
في المنطقة يتعارضان ومصالح الجمهورية الإسلامية الحالية.
لذلك، قليلة هي الأسباب التي تخفف من خشية دول الخليج العربي القلقة، فما من
بوادر صداقة تلوح في أفق العلاقات الأميركية- الإيرانية. وكما قال لي أحد
الدبلوماسيين الإيرانيين في يوم من الأيام: "إن إيران تستمد شعبيتها في المنطقة
والعالم الإسلامي من مواجهتها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل".
كما قال جنرال أميركي مرّة أن إيران لا تعرض مساعدتها سوى في حلّ المشاكل التي
ساهمت هي في وقوعها. لكنه لربما كان يشير أيضًا إلى أنه في ظل الأزمات والمجازر
في المنطقة، ولاسيما تلك المرتبطة بالولايات المتحدة أو إسرائيل، تلقى قوة
إيران الناعمة وأيديولوجيتها الرواج الأكبر.