تشهد المملكة العربية السعودية مخاضا صعبا هذه الايام بسبب مرض الرجلين
الاول والثاني فيها، وعدم وضوح الرؤية بالنسبة الى الرجل الثالث، وتطلع الامراء
الشبان الى فرصة يعتقدون انها باتت وشيكة للمشاركة بفاعلية اكبر في ادارة دفة
الاصلاح في البلاد.
في ظل شفافية غير مسبوقة اعلنت السلطات السعودية عن مغادرة العاهل السعودي
الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى واشنطن لزيارة احد المراكز الطبية المتخصصة في
علاج الظهر لاجراء فحوص اكثر عمقا لانزلاق غضروفي تعرض له، وادى الى حدوث تجمع
دموي في اسفل الظهر تسبب في آلام شديدة نتيجة ضغطه على الاعصاب.
ولأن مسألة الخلافة غير محسومة، وغياب التوافق في اوساط الامراء الكبار من
ابناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، حول تولي الامير نايف وزير الداخلية
والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ادارة شؤون البلاد، طلب العاهل السعودي من
شقيقه الامير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد النائب الاول لرئيس الوزراء، ووزير
الدفاع والطيران العودة بشكل سريع الى البلاد واوكل اليه في مرسوم ملكي تولي
ادارة شؤون الدولة اثناء غيابه.
والعاهل السعودي يبلغ السابعة والثمانين من العمر، ويصغره شقيقه الامير سلطان
ولي العهد باربعة اعوام، وقد قضى الاخير معظم العامين الماضيين متنقلا بين
نيويورك واغادير اثر خضوعه لعملية جراحية لاستئصال ورم خبيث لم يتحدد رسميا
مكانه او طبيعته.
ولاحظ مراقبون ان الامير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض والمسؤول عن
شؤون العائلة، رافق الامير سلطان طوال فترة علاجه، وتردد انه قد تبرع له
بالنخاع الشوكي اللازم لاستبدال الخلايا السرطانية اثناء العملية الجراحية التي
خضع لها الامير سلطان في احد مستشفيات نيويورك. وقد عاد الامير سلمان مع ولي
العهد السعودي مساء امس الى الرياض على متن طائرة الثاني في اشارة ذات معنى
تعكس عمق التحالف بين الشقيقين اللذين ينتميان الى فرع 'السديريين' الاقوى في
العائلة الحاكمة حسب قول المراقبين انفسهم.
وكان الامير سلمان قد خضع لعملية جراحية في الظهر جرى الاعلان عنها قبل شهرين
وقد بدا في صحة جيدة.
ويبدو ان حدة التنافس في اوساط الامراء الكبار قد تصاعدت في الايام الاخيرة،
حيث بدأ كل جناح يعزز مواقعه الحالية، ويتطلع الى الوصول الى مواقع اعلى في حال
شغور اي منها.
فالعاهل السعودي اقدم على عدة خطوات لافتة للنظر فور الاعلان عن مرضه وخلوده
للراحة بأمر الاطباء قبل اسبوع، فقد عين نجله الاكبر الامير متعب بن عبدالله
رئيسا للحرس الوطني ووزير دولة في مجلس الوزراء، كما مدد فترة خدمة السفير عادل
الجبير لاربع سنوات، والمفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ لاربع
سنوات ايضاً.
ولوحظ ان الصحف السعودية المقربة من الامير سلمان بن عبد العزيز قد وضعته، اي
الامير سلمان، في المرتبة الثالثة بعد الملك وولي عهده في بعض اعلانات التهنئة
بعودته الى ارض الحرمين في صحبة شقيقه ولي العهد، اي قبل الامير نايف النائب
الثاني لرئيس مجلس الوزراء. الأمر الذي فسره بعض الخبراء في الشأن السعودي على
انه مؤشر على منافسة الامير سلمان على منصب ولاية العهد.
واعرب احد هؤلاء الخبراء عن اعتقاده بان الامير سلمان يملك طموحاً كبيراً،
ويتطلع الى منصب ولي العهد، ولكن اذا لم يحقق ما يريد، فمن الارجح ان يضع عينيه
على وزارة الدفاع التي يتولاها شقيقه الامير سلطان، وهي وزارة يدير شؤونها
حالياً الامير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع ونجل ولي العهد، ويعتقد انه
الاحق بتوليها.
وبتعيين الامير متعب بن عبد الله رئيساً للحرس الوطني خلفاً لوالده، تبدأ عملية
نقل السلطة للجيل الثاني خطواتها الاولى، ومن غير المستبعد ان يعين الامير محمد
بن نايف خلفاً لوالده في وزارة الداخلية اذا ما نجح الاخير في القفز الى منصب
ولي العهد في حال شغوره.
ويعتبر الامير نايف النائب الثاني الحاكم الفعلي للمملكة بسبب مسؤوليته ونجله
عن الاجهزة الامنية، وقد ترأس اجتماعات مجلس الوزراء في ظل غياب العاهل السعودي
اكثر من مرة بسبب المرض او دواعي السفر الى الخارج في مهام رسمية، ولوحظ انه
بدأ في الفترة الاخيرة يتحدث في الامور الاقتصادية والسياسية والاشراف على
رعاية الحجاج، اي لم يتوقف عند مهامه الامنية كوزير للداخلية.
ومن المناصب الهامة التي تحتاج الى الحسم ايضاً منصب وزير الخارجية، حيث ترددت
همسات في كواليس الحكم تفيد بأن الامير سعود الفيصل يريد التقاعد لاسباب صحية
عائدة الى اجرائه عدة عمليات جراحية في الظهر لم تحقق النجاح المطلوب. ويسود
اعتقاد بان احد شقيقيه الامير تركي الفيصل رئيس جهاز المخابرات الأسبق والسفير
السابق في واشنطن، او الامير خالد الفيصل امير منطقة مكة قد يخلفه في هذا
المنصب اذا قرر التقاعد.
وليس من الواضح ما اذا كان الامير سلطان بن عبد العزيز الذي قضى الشهرين
الماضيين في قصره باغادير طلباً للراحة، سيكون قادراً صحياً على ادارة شؤون
الدولة في ظل غياب شقيقه العاهل السعودي لاجراء فحوصات طبية.
ويأتي مرض الرجلين الاول والثاني في المملكة في مرحلة حرجة للغاية، حيث تقف
المنطقة على حافة حرب امريكية اسرائيلية محتملة مع ايران لتدمير منشآتها
النووية، وكذلك لبنان، حيث تلعب المملكة دوراً هاماً في شؤونه الداخلية، الذي
يمر بحالة من التوتر نتيجة قرب صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية الخاصة
باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.
المملكة العربية السعودية مقدمة على مفاجآت كثيرة، وعملية تغيير واسعة في
المناصب الرئيسية قد يرافقها مرحلة من التنافس بين الاجنحة الرئيسية في الاسرة
الحاكمة بدأت تظهر ارهاصاتها في العلن رغم المحاولات الحثيثة لابقائها في الغرف
المغلقة.