دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها ونقول الأمور بحقائقها مع الاحترام الكامل
للجميع. شهدت الكويت الأسبوع الماضي مهرجانا «شيعيا» وآخر «سنيا» للحديث عن
تطورات الأحداث في دولة البحرين الشقيقة. سيرد كثيرون بأن المسألة لم تكن كذلك
وأن علينا النظر إلى الموضوع من زاوية أخرى وأن... وأن... وأن... لكن اللغة
التي استخدمت كانت للأسف الشديد مليئة بالقيح والقبح والبشاعة والتخلف. كل يدعي
الغيرة على مذهبه ودينه وكل ينسى أن الدين في شكله وجوهره «كلمة سواء» واعتصام
بحبل الوحدة.
كثرت القضايا السياسية التي تتحول فجأة إلى طائفية، وكأن الكويت التي بقيت عصية
على الانقسام الطائفي والمذهبي عبر تاريخها يراد لها أن تنجر جرا إلى ذاك
المستنقع الآسن وأن تستورد أسوأ ما في تجارب الآخرين بعدما كانت تصدر أفضل
تجاربها للآخرين.
كانت الحروب الإقليمية الدموية تعصف بالمنطقة مستخدمة الدين والفتاوى و«مفاتيح
الجنة» وكنا على قلب واحد وهمٍّ واحد وقلق واحد.
وصلت التحديات حد احتلال الكويت فكنا المثل والمثال في التضامن والالتفاف حول
الشرعية والأرض والسيادة، ولو كنا منقسمين طائفيا ومذهبيا لما استعيدت الكويت
حتى إذا حشد العالم بأسره جيوشه لدحر الغزاة.
اليوم اختلف الأمر، فإذا تأخر هطول المطر تخرج لنا قراءتان مذهبيتان. إذا حصلت
زلازل وكوارث طبيعية يخرج لنا موقفان طائفيان. إذا حصلت مشاكل في اليمن
والبحرين وليبيا ومصر ولبنان وسورية وتونس وغيرها يخرج لنا تحركان متطرفان. إذا
تحدثنا عن الموسيقى نجابه برفض من بعض السنة وبعض الشيعة، وإذا تحدثنا عن
الرياضة النسائية نجابه باعتراض من بعض السنة وانتقاد من بعض الشيعة لهذا
الاعتراض، وإذا تحدثنا عن ضيف يزور البلاد نجد انفسنا امام استقبال كالفاتحين
من بعض أبناء هذا المذهب في مواجهة شحذ السيوف اعتراضا من ابناء مذهب آخر، وإذا
تمت مناقشة قضية سياسية أو تنموية أو صحية أو تربوية نجد أنفسنا أمام من يستحضر
مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل 1400 سنة او من يتحدث عن
أزمة الخلافة وموقعتي صفين والجمل ... هل نحن في كويت 2011 المتطلعة إلى
المستقبل أم في مضارب التاريخ وخيمه وسيوفه وانقساماته؟
وسط ذلك الكم من التخلف والبشاعة الذي يبدو أن الحكومة عجزت عن التعامل معه،
وفي ضوء المخاطر التي تتعرض لها الكويت امة ودولة ومجتمعا، وفي ظل الخوف على
مستقبل الاجيال التي نمت ونشأت على الوحدة والخير والعمل والانتاج... برزت
مؤشرات مضيئة من خلال رسالة تم تداولها بين صفوف شباب الكويت على مواقع التواصل
الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وغيرها تقول «إذا أنت طائفي رجاء لا تضيفني».
«إذا أنت طائفي رجاء لا تضيفني»... عبارة تختصر حالة التمرد الشبابي على تجار
الطائفية. حالة القرف منهم. حالة الاستقالة الحضارية من التعبئة البغيضة
والانقسام الأبغض. حالة اعتراض حضاري سلمي ديموقراطي لقضية مذهبية لا علاقة لها
بالتحضر ولا بالسلمية ولا بالديموقراطية. حالة انسحاب وطني من موضوع لا وطني
مستمر في التفاعل في المساجد والمدارس والجامعات وأماكن العمل والبرلمان وساحات
«التغيير» والمخيمات.
«إذا أنت طائفي رجاء لا تضيفني»... عبارة تؤكد أن بعض شباب الكويت أعقل من
شيبانها، وأن بعض شباب الكويت غير الحزبيين وغير المنتمين إلا للشأن الوطني
العام أحرص على بلدهم من جميع الطائفيين وشعاراتهم المقرفة المدمرة، وأن بعض
شباب الكويت يريدون العبور إلى المستقبل فيما الطائفيون يريدون العودة إلى
الماضي.
معا يا شباب الكويت لعزل الطائفيين لأن الأمور وصلت إلى العظم. اليوم ترفع
متاريس نفسية وفكرية بين ابناء الشعب الواحد وغدا سيرفع الخطاب المذهبي متاريس
حقيقية على الأرض.
معا يا شباب الكويت لعزل هؤلاء وتعميم عبارة «إذا أنت طائفي رجاء لا تضيفني»
على مختلف المستويات. تعاملوا مع المتطرفين من أي مذهب أو دين على أنهم وباء
عابر للدول قاتل للمجتمعات مدمر للأمم. اعزلوهم بالفكر. بالرقي. بالتحضر.
بالحوار. بتهميشهم. بتسخيفهم. بالتركيز على الامور التي تعبرون معها إلى مستقبل
افضل، من خلال مشاركتكم الفاعلة في وضع الخطط والتصورات والرؤى لتعليم أفضل
وقطاع صحي أرقى ووظائف أكثر إتاحة وأكثر فاعلية وتطوير الإدارة ووضع الرجل
المناسب في المكان المناسب ووقف الهدر والفساد وزيادة المشاركة الشعبية في
السلطة والثروة والاصلاح الدائم للنظام السياسي وتعميم الحريات والديموقراطية
ثقافة ونهجا وممارسة وقبول الرأي والرأي الآخر... وغيرها وغيرها من أمور تحتاج
منا إلى جهد 48 ساعة في الـ 24 ساعة لإنجاز بعضها، ولا وقت لدينا نهائيا لأي
لحظة تعيدنا إلى السيف والخنجر والانقسام والمضارب.
معا يا شباب الكويت... يا أمل الأمة... يا أمل المستقبل. كثفوا مواقعكم
الحضارية ضد مواقعهم المتخلفة. أسسوا صفحات ومواقع إلكترونية تحمل عبارة «إذا
أنت طائفي رجاء لا تضيفني»، أو عبارة «معا لعزل الطائفيين»، ولتكن التواقيع
والإضافات المتعددة الانتماء والأهواء هي الضوء الذي يساعد المنغلقين المتعصبين
المتطرفين على الخروج من كهوفهم.
* رئيس تحرير صحيفة الرأي الكويتية