في الوقت الذي كانت فيه السجالات الامريكية والدولية مستمرة حول الشأن
الليبي، أخذت الأوضاع في البحرين انعطافة حادة نحو الأسوأ، فوحشية القمع الذي
جوبه به المتظاهرون أعقبه الدخول المثير للجدل لقوات أمن من السعودية وثلاث دول
خليجية أخرى، وقد تم في الأثناء تقليص الحضور الإعلامي ووضع مزيد من العراقيل
لعدد من الصحافيين للحيلولة دون دخولهم للمملكة.
لقد أصبح الطريق إلى تسوية سياسية وإصلاح جاد - وهو ما كان يبدو في
المتناول قبل أيام قليلة - موصداً الآن، الأمر الذي يجعل من مسألة استمرار
النظام البحريني لأمد أطول موضعاً للتساؤل بشكل جدي، فطبيعة تعاطي النظام مع
الاحداث الأخيرة سيترك آثاره خارج حدود هذه الجزيرة الصغيرة، لا لإنها كما
ليبيا قد أحالت الثورات العربية المفعمة بالأمل إلى شيء مليء بالقبح، بل
لإطلاقها العنان لحالات العداء والكراهية المتنامية في المنطقة بين السنة
والشيعة..فاللاعبون الاقليميون تلقوا بحماس هذا المزاج الطائفي حيث السعودية
تؤجج العداء الطائفي بدفاعها عن النظام البحريني بينما تمارس الشخصيات الشيعية
البارزة دفاعها عن المتظاهرين.
إن مسار العلاقة بين السنة والشيعة في المنطقة قد انحدر فجأة نحو الأسوأ أكثر
من أي وقت مضى، منذ تلك الأيام المرعبة التي تلت انتشار مقطع الفيديو الذي يظهر
فيها أفراداً من التيار الصدري يحتفلون بإعدام صدام حسين.
يبدو هذه التوجيه الطائفي للأحداث استراتيجية معتمدة لدى النظام البحريني غير
أنه ليس من الواضح ما إذا كان ذلك حقيقة واضحة..فحركة الاحتجاج البحرينية والتي
برزت بعد سنوات من الفعاليات والحملات داخل الشبكة وخارجها رفضت وبشكل صريح
الطائفية وسعت بدلاً من ذلك للتأكيد على الاصلاحات الديمقراطية والوحدة
الوطنية، وفي الوقت الذي كانت غالبية المحتجين من الشيعة ، كما هو الحال مع
سكان المملكة نفسها، أصر المحتجون على أنهم يمثلون حالة من الاستياء لدى السنة
والشيعة معاً وأنهم امتداد للانتفاضات التي شاهدناها من تونس وحتى ليبيا..وقد
كانت شعاراتهم تتمحور حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وليس مصالح خاصة بالشيعة،
ولا يوجد واقعياً ما يدعم القول بأن تلك المطالبات مستوحاة أو موجهة من قبل
إيران.
كان رد النظام البحريني في المقابل غير مقتصر على التعامل بعنف، بل شجع على
طائفية بغيضة من أجل شق صفوف الحركة الشعبية وتوفير دعم محلي وإقليمي
للحملة..وبذلك انتشرت حالات الشتم ضد الشيعة في الساحة البحرينية بما في ذلك
الإعلام البحريني وشبكات التواصل الاجتماعي..وبالمثل تسلل هذا المزاج الطائفي
إلى الاعلام العربي والسعودية منها على وجه التحديد.
هذا المشهد الطائفي أعاد معه حكايا الأيام المظلمة لمنتصف هذا العقد حيث
الشاشات العربية تمتلئ بمشاهد من الحرب الأهلية في العراق وصعود قوة حزب الله
في لبنان، حينها كان القادة العرب المحسوبون على أمريكا ينشرون المخاوف من
الهلال الشيعي، وكانت السعودية قد شجعت لمكافحة المد الشيعي ضمن محاولتها
للتحشيد ضد النفوذ الإيراني بالمنطقة.
اليوم تبدو المواجهة من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين قد جرى
استهلاكها بالكامل عن طريق هذا التأطير الطائفي المشؤوم، وعادت الحرب الباردة
الاقليمية بين ايران والسعودية الى الواجهة بعد أن كانت الانتفاضات
العربية قد تركتها وراءها بالأمس.
وقد تلت عملية ارسال القوات السعودية والخليجية إلى البحرين حملات سياسية
مماثلة، حيث واصلت أجهزة الإعلام الخليجية تدعيمها لمواقف الأنطمة وتأطيراتها
الطائفية ، بما في ذلك الجزيرة العربية التي بالكاد تغطي البحرين في الوقت الذي
تركز فيه على ليبيا ومصر واليمن.
وفي الوقت نفسه، كانت الزعامات السياسية للشيعة في أنحاء المنطقة ، من حسن نصر
الله الى علي السيستاني، تسارع للدفاع عن المتظاهرين، وكلا الطرفين بالنتيجة
يدفع ناحية تعزيز الإطار الطائفي وصرف الانتباه عن الدعوة للتغيير الديمقراطي.
وربما رأت الولايات المتحدة في المحافظة على النظام البحريني أمراً ضروريا نظرا
لموقعها الاستراتيجي، وللمخاوف القائمة بشأن الأسطول الخامس وإمكانية فقدان جزء
رئيس من استراتيجيتها طويلة الأمد لاحتواء القوة الايرانية..غير أن ما يقوم به
النظام البحريني للحفاظ على سلطته قد يضر بنحو سيء إلى موقف أمريكا أيضاً، وقد
يوميء القمع الوحشي الذي عقب زيارة روبرت غيتس ، وزير الدفاع ، مباشرة
إلى وجود تواطئ امريكي او عجز فاضح.
إن رفض الاصلاحات الجادة يجعل من مسألة بقاء النظام أقل وليس أكثر احتمالا،
وبالنتيجة فإن هذا التوجيه الطائفي للأحداث في البحرين يملك قابلية للارتداد
إلى داخل الدول العربية الأخرى ذات الحضور الشيعي المهم بما فيها السعودية
والكويت. ومن المحتمل أن تدفع القادة العراقيين باتجاه الشيعة والموقف الموالي
لإيران كما كان نوري المالكي وخصومه يسعون إلى كسب مزيد من الشعبية في الأوساط
الشيعية العراقية التي تتعاطف اليوم مع نظرائهم البحرينيين.
وإذا كانت الإدارة الامريكية تأمل في رؤية جديدة للمنطقة ستكون بحاجة إلى أن
تترك وراءها هذه المفاهيم البالية وهذه الأنماط من التقسيم، فالبحرين وبكثير من
الأسف وبمعاونة حلفائها قد استعادتها كموضة من جديد.